تشجيع الإنخراط في الأحزاب

=

بقلم /  عمر سامي الساكت 

وفقا للدستور الأردني فإن نظام الحكم برلماني ملكي وراثي ، والذي يحتم وجود برلمان حقيقي وديمقراطية فعلية ويتحقق ذلك من خلال قانون أحزاب يمكن الأغلبية من أن يكون لهم ممثلين حقيقين في المجلس ولا يمكن أن يكون هذا في ظل قانون أبتر  ذو الصوت الواحد وأي تعديل عليه يبقي على هذا التشوه الرئيسي لتخرج لنا مجلس نواب عقيم وعلى المقاس ومن ثم تظهر سوائته للأردنين في محاولة لإيهامنا بأن هذا هو شعبنا وفي محاولة بائسة في إثبات أن الأردنين غير جاهزين للديمقراطية. 

المطالبة المستمرة بالحياة الحزبة وتفعيل الديمقراطية هي كمن يدرب صقوراً على الصيد داخل أقفاصها. رغم شعارات الحكومة الرنانة بتفعيل الحياة الحزبية وتشجيع الشباب من طلاب الجامعات وغيرهم بالإنخراط بالأحزاب إلا أن هنالك تناقض صريح وفج تمارسه الحكومة ضد الأحزاب ودليل على أنها تريد أحزاب فارغة سياسياً ووطنياً أي شكلية ودكاكين تديرها كما تشاء مقابل حفنة دولارات وبعض مناصب الترضية كجوائز تحفيزية لأعضاء الأحزاب الموالية، فعلى سبيل المثال منذ تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ وضعت في طريقه كل العراقيل المتاحة فقد أخذ ترخيصه أكثر من عام ونصف ، وضيقت الحكومة على أعضاء الحزب بالضغط على العديد من المنتسبين للإنسحاب منه بل واعتقلت العديد ممن أصر على العضوية.      

الدكتور سعيد ذياب أمين عام الوحدة الشعبية الديمقراطي الأردني والناطق باسم ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية. تم إعتقاله على خلفية مقال نشره في جريدة الحزب الرسمية  ومثل أمام محكمة أمن الدولة لقضايا تتعلق بنشاطات الحزب، كما تم اعتقال عضو قيادة حزب الوحدة الشعبية ومسؤول المكتب الشبابي في البلقاء زيد مطاوع.     

وما مُورس ضد نقابة المعلمين مثالاً حياً وساطع على محاولة قتل الحياة الديمقراطية وسحق للحريات العامة بحجج واهية واعتقال أعضاء النقابة ومحاولة حلها بشكل يشوه الصورة العام للديمقراطية على الصعيد المحلي والدولي، تم اعتقال المعلمة والناشطة السياسية رضا الفران بكمين قطع الكهرباء عن شقتها واعتقالها بزي فريق صيانة الكهرباء واعتقال مدرسة أخرى اثناء رحلة مدرسية بتهمة انتماءها لحزب غير مرغوب فيه.      

ما تم ضد النائب المخلوع اسامة العجارمة بسبب كلمة قالها في حق المجلس وقد قال غيره أكثر من ذلك وقام أخرون بسحب أسلحة تحت قبة المجلس وبقوا نواب عن الشعب ، ولا أدري سبب تضخيم الموضوع لإحداث ردات فعل وتجمهر واستفزاز، بالطبع أي أساءة للنظام والملك والعلم والوطن مرفوضة ولكن المتابع لا يجد أي من تلك التهم مما يشير بأن المقصود كبح الحريات العامة ورفض أي صحوة أو حشد لذلك حيث سيواجه بأقصى قوة وسرعة ليجر بيت شعر العروبة ورمز النشامى وعنوان الثورة العربية الكبرى في شوارع عمان خلف سيارة عسكرية  وهذا الذي اساء للوطن واستفز مشاعر وكرامة الأردنيين وليس العشائر فقط.     

اعتقال الكاتب عدنان الروسان بسبب أفكاره ومقالاته بالتهم المعلبة الجاهزة بالاساءة للنظام وإطالة لسان، واعتقل قبل الدكتور إياد القنيبي الشيخ الصيدلاني صاحب براءات الاختراع لمجرد مقال ناصح ومنبه عن خطر ويدعو فيه لمخافة الله وعدم الاساءة للاسلام  

القائمة تطول لا يسع ذكر الاحرار الذين تم اعتقالهم ودفعوا اثمان كلامهم الحر أمثال الدكتور أحمد عويدي العبادي والدكتور أحمد العوايشة وناهض حتر وليث شبيلات وهند الفايز والشيخ محمد خلف الحديد وغيرهم كثر.      

وقد وصل الأمر إلى النشميات الأردنيات والتي لم يفعلها أبوجهل نفسه في أيام الجاهلية فقد تم اعتقال سمية أبو نبعة أثناء زيارتها للمعتقلين في سجن ماركا بتهمة  إذاعة  أخبار كاذبة في الخارج من شأنها أن تنال من هيبة الدولة، وذم هيئة رسمية، وكتابة خطابات بقصد إثارة النعرات المذهبية والعنصرية، ونشر وثائق محظور نشرها وعلى الأغلب بسبب صورة النائب المخلول أسامة العجارمة  

وبعد هذا كله مازال هنالك من يتغنى بالحريات والديمقراطية وتشجيع انخراط الشباب والمرأة في الأحزاب ، الشمس لا تغطى بغربال والعالم من الخارج يعي ويدرك حقيقة الأوضاع فقد وضع تصنيف مؤشر “سيفيكوس” بأن الأردن باتت دولة قمعية، كما صنف مؤشر “فريدوم هاوس”، الأردن، بأنها “دولة غير حرة”، ووفقاً لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، تراجع الأردن الى المرتبة 120 (من أصل 180 بلداً) على جدول التصنيف العالمي لحرية الصحافة هذا كله يؤثر سلباً على موقع الأردن على خارطة العالم الديمقراطي الحر والمنظمات والعلاقات الدولية عداك عن الأهم وهو أن هذه الأوضاع قد تولد نواة قنبلة موقوتة نائمة تنتظر فتيل ساعق لانفجار للأوضاع ونتائج لا تحمد عقباه.   

كل ما يمر به الشعب الأردني هي فترة مخاض ستتطور لمرحلة أعلى يدرك فيها العقل الجمعي كيفية التعامل مع هذه الأوضاع وانتزاع الحقوق ويكون جاهز للتضحية وأرجو الله أن يدرك عقل الدولة العميقة هذا قبل أن يفوت الأوان ويتخلى عن تحميلنا جميلة “الأمن والأمان”  الذي بات شكلياً. 

حمى الله الأردن تراباً وشعباً وملكاً وحكوماً وهدانا لما فيه الخير.