تقرير ديوان المحاسبة، هل يعزز المساءلة
محمد حسين فريحات
–
بقلم/ محمد حسين فريحات
بعد الإطلاع على تقرير ديوان المحاسبة لعام ٢٠٢١م، وليس من موقع المدافع، جهد كبير يبذله الديوان سنوياً لمراقبة الإيرادات العامة للدولة، وطرق صرفها، ورصد وبيان الأخطاء والتجاوزات المالية والمحاسبة والإدارية التي تتصل بقرارات مالية، وآلاف من الجولات الميدانية اليومية لموظفي هذا الديوان لجميع الوزارات والدوائر المؤسسات في القطاع العام، ويصل هذا الجهد الى أكبر دائرة على مستوى الدولة، وإنتهاءً بأصغر مؤسسة حكومية.
ويرى المُتفحص والمُتمعن في هذه التقارير بأنها تتمتع بالمهنية، وتعد وفق المعايير المتعارف عليها محلياً ودولياً، وكل ذلك من اجل الحفاظ على مقدرات الدولة المالية، وآليات صرفها وصولا الى مؤسسات خالية من الفساد المالي والترهل الإداري، وتعزيزاً لمبدأ المساءلة والشفافية، ولا أقرب من الأوراق النقاشية الستة التي قدمها الملك عبدالله الثاني بن الحسين لحكوماته المتعاقبة منذ فترة طويلة، وخصوصاً الورقة السادسة منها والتي ركزت على تحسين أداء أجهزة الدولة، وتعزيزا للشفافية ومحاربة كافة أشكال الترهل والفساد.
سلّم ديوان المحاسبة التقرير السنوي لعام ٢٠٢١م لمجلس الأمة(الاعيان والنواب) ومجلس الوزراء، وذلك وفق استحقاق دستوري، متضمنا تحليلاً للحسابات الختامية، ونتائج الأعمال التي قام بها، والمخالفات والملاحظات التي تم رصدها، حيث ان هذا التقرير تضمن سبعة فصول بعدد صفحات بلغت (٥٨٦) صفحة، أشتملت الاستيضاحات والمخرجات الرقابية ومذكرات المراجعة، وبلغ عدد المخالفات للقوانين والانظمة والتعليمات(٢٧٧٦) مخالفة، ومن ما يُشير إليه التقرير أن معظم المخالفات جاءت للشركات التي تمتلك الحكومة (٥٠%) من أسهمها حيث بلغ نسبتها (٧ر٣١%) وباقي مؤسسات الدولة ما نسبته (٣ر٦٩%).
التقرير متوفر للجميع، ومنشور ويمكن الإطلاع عليه، ولا أُريد الخوض بتفاصيله، ولكن ما أود الإشارة إليه ظهور أرقام فلكية للإعفاءات بأشكالها المختلفة، وأرقام فلكية بالتهرب الضريبي لمختلف القطاعات الخاصة، وأرقام أخرى بالتجاوزات والمخالفات في مختلف مؤسسات الدولة، مثل هذا الجهد الرقابي، والذي يَبذُله مئات من موظفي الدولة، ويترتب عليه مصاريف من موازنة الدولة، يجب أن يُفضي الى نتائج ومخرجات جيدة بخصوص محاربة الفساد والترهل الإداري في القطاع الحكومي، ويحقق الرفاه للدولة الأردنية، وما نراه اليوم بأن نسبة الفساد والترهل والمخالفات آخذةً بالتزايد الأمر الذي يؤكد ان المخرجات الرقابية للديوان لا تحقق الطموح الاستراتيجي له، وهو الحفاظ على المال العام، وتعزيز المساءلة، والشفافية، ووقف التطاول على المال العام.
ومما يؤشر إليه التقرير بأن إيرادات الدولة المحلية شكلت ما نسبته (٩٠%) من أجمالي الإيرادات العامة، الأمر الذي يُبين أن الحكومة بكافة أجهزتها تعتمد على جيوب المواطنين، ولا يوجد لديها أي خطة لتحقيق إيرادات جديدة بعيدا عن المساس بقوت الشعب، وبحسب محللين وخبراء إقتصاديين أن الحكومة تستطيع إيجاد إيرادات جديدة، لان الأردن يمتلك موارد طبيعية مثل:(البترول، الغاز، النحاس، الفوسفات، البوتاس، المنغنيز، الصخر الزيتي، أملاح البحر الميت، ….الخ) ولا تحظى هذه الموارد من الحكومة باهتمامٍ جاد، إلا جهد بعض الجامعات، ومؤسسات حكومية:(سلطة المصادر الطبيعة، المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا)، تقوم بدراسات للثروات الطبيعية الاردنية، حيث أكدت هذه المؤسسات على ان بعض الموارد على سبيل المثال لا الحصر، مثل الصخر الزيتي يوجد بكميات ضخمة جداً، ويمكن استغلالها تجاريا، ويتوفر منها ما يقارب ال (٤٠) مليار طن، والاردن ثاني أغنى دول العالم بهذا المورد بعد كندا.
وتبين من أسباب تزايد الفساد المالي والترهل الإداري في القطاع العام ضعف الأدوات الرقابية المتمثلة بوحدات الرقابة الداخلية، وعدم القيام بدورها الرقابي في تدقيق السجلات المالية والوازمية ومتابعتها، وعدم استقلاليتها، وتبعيتها للمؤسسة نفسها، وغياب المساءلة، وتعيين بعض الأشخاص في هذه المواقع بتوصيات خارجية لا تعتمد على الكفاءة، وتخصصاتهم لا تتناسب مع المسمى الوظيفي، وهذا مع الأسف يحصل في كثير من المواقع الإدارية العليا في مختلف الدوائر والمؤسسات الحكومية.
ولتعزيز دور ديوان المحاسبة، يجب أن تتوفر البيئة والنية الحقيقية لتطوير القطاع العام من مختلف النواحي، وأن يتمتع الديوان بالضابطة العدلية، والاستقلال التام، وأن لا يكون واسطةً لتقديم التقارير الرقابية لمجلس الأمة(الاعيان والنواب) ومجلس الوزراء بصفة ابروتوكولية ، وأن يكون هناك إهتماماً حقيقياً بهذه التقارير ومخرجاتها، بما يتناسب مع ما يُبذل من جهود لجمع وتنظيم وتصنيف وتحليل للبيانات الرقابية لكشف التطاول على المال العام، والمحافظة عليه، وخضوع كافة دوائر ومؤسسات الدولة للرقابة والمساءلة.
frihat1964@yahoo.com