تقنية عزل قاعدة المباني.. تهريب الخبرات
الدكتور رشيد عبّاس
=
بقلم /الأستاذ الدكتور رشيد عبّاس
بعد أن ضرب زلزال هانشين أواجي الكبير القسم الجنوبي من محافظة هيوغو اليابانية فجر السابع عشر من كانون الثاني عام 1995م, وقتل نحو 6000 آلاف شخص في المدينة الصناعية الساحلية وما حولها من جراء ذلك، لاحظ اليابانيون أن هناك مبنى واحدا في المدينة لم يتأثر بالزلزال العنيف, وبعد البحث والتقصي وجدوا أن مالك المبنى هي شركة إنشاءات هندسية يابانية، جعلت أساساته من المطاط الخاص في نسخة تجريبية في ذلك الوقت، كتقنية هندسية جديدة في البناء تسمى (عزل القاعدة) بالمطاط لمقاومة كل من الزلازل والبراكين.
يقال أن تقنية جعل أساس المبنى من المطاط الخاص كتقنية هندسية جديدة في البناء من اجل عزل قاعدة المبنى لتقاوم كوارث الزلازل والبراكين التي قد تقع في أي لحظة قد وصلت إلى كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا ودول اخرى, وأن الجامعات الامريكية والبريطانية والفرنسية قد وضعت لطلبة الهندسة مساقات جامعية في هذا الشأن.
هندسة عزل قاعدة المباني بالمطاط الخاص تقوم على امتصاص المطاط للتصدعات والارتدادات المصاحبة للزلزال لتهتز المباني التقليدية مع الأرض أثناء حدوث الزلزال، ما يعني أنها قد تتعرض لأضرار هيكلية، ولكنها بهذه التقنية تبقى مصممة للبقاء واقفة وعدم الانهيار، وكلما كان الزلزال أقوى كلما تحرك المبنى استجابة لذلك, وأن من المرجح أن تنجو المباني التي تستخدم عزل الأساس من زلزال قوي وتبقى آمنة للاستخدام, حيث تعمل كبندول مركزي مصمم للتأرجح عكس الانحناء الذي يسببه الزلزال في المباني لمعادلة تأثير الهزة الأرضية, وتكون مصممة من خلال طريقة حركة البندول (يميل في الاتجاه المعاكس للانحناء) لعكس التأثير الذي يسببه الزلزال.
ويمكن أن يساعد إنشاء الاساس المطاطي على مرونة المبنى من اجل البقاء واقفاً أثناء الزلزال, لتقوية هيكل المبنى ضد الزلازل المحتملة، مما يؤدي إلى تصريف القوى الزلزالية وامتصاص زخم الزلازل وإعادة توجيهها.
كثير من دول العالم اليوم بدأت تضع لطلبة الهندسة في الجامعات مشاريع تخرج تتعلق بعزل قاعدة المباني بالمطاط الخاص وذلك استجابة للكوارث الطبيعية التي قد تؤثر سلباً عل المباني, تفاديا لوقوع خسائر مادية ومعنوية نتيجة لذلك.
إن (تهريب الخبرات) الناجحة والإيجابية لحياة البشر باتت ضرورة قصوى للدول لمواجهة متطلبات العصر وما يصاحبها من تطورات في جميع شؤون الحياة المادية والمعنوية, واعتقد جازماً أن الدول العظمى والمنتجة للخبرات الضرورية والمتعلقة بحياة البشر وأمنهم وأمانهم تسمح بأخذ خبراتها والعمل على تعميمها.. كيف لا وقد باتت حياة جميع البشر مشتركة.
اعتقد أن تهريب خبرات اليابان الهندسية المتمثلة في (عزل قاعدة) المباني من خلال وضع اساسات مطاطية لها, وذلك من اجل تفادي ما يمكن تفاديه من خسائر الزلازل والبراكين.. اهم بكثير وأولى من تهريب المخدرات والحشيش ونشرها في صفوف الشباب, وان توضع مثل هذه الخبرات المعمارية في مناهج طلبة الهندسة في الجامعات أهم بكثير من تهريب المواد الممنوعة, وأكثر من ذلك أن تكون خبرة عزل قاعدة المباني بأساسات مطاطية جزء من مشاريع تخرج هؤلاء الطلبة, فالعالم يتقدم خطوة للأمام ونحن للأسف الشديد تتأخر خطوتين للخلف.
ويبقى السؤال الأهم على أي درجة على مقياس ريختر للهزات الأرضية تتحمل مبانينا يا ترى؟ ومتى سنبدأ باستيراد المطاط من اجل استخدامه كأساسات للبناء في قادم الايام؟ والأخطر من كل ذلك هل لدينا أيادي نظيفة وأمينة تتعامل مع المطاط عند استيراده؟
نريد تهريب خبرات اليابان الهندسية إلينا.. دمتم بخير.