جنون الاسلاموفوبيا يجتاح الكونغرس الامريكي !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
لا زالت امريكا تطلق على نفسها غطرسة وتبجحا ( منارة الديمقراطية ) والمدافعة الاولى عن حقوق الإنسان في العالم وتعتبر نفسها دولة ديمقراطيّة تنفذ سياسات ليبرالية متقدمة خاصة فيما يتعلق بالسياسات ( الدينية والعرقية ) كما تدعي أيضا انها تطبيق سياسات المساواة في ظل قوانينها العادلة والمنصفة بيد أنها في الحقيقة والواقع العملي تتجاهل وبرغبة كاملة أوضاع ومطالب المسلمين بل وتحاربهم بشتى الوسائل وتقييدهم من خلال تطويع تلك القوانين والصلاحيات والتحريض عليهم عنصريا وعقائديا بشكل ممنهج
الحقيقة المؤكدة انه منذ قرار مسلمي أمريكا اقتحام مجال العمل السياسي بقوة للرد على حالة العداء المستشرية ضدهم وبعد فوزهم بـ 5 مقاعد في الكونجرس و57 مقعداً في البلديات و11 في المحليات في تشرين الثاني الماضي أثار ذلك عاصفة من الجنون بين المتطرفين الأمريكيين وزاد من حجم الكراهية ضد المسلمين لكن الجديد هو انتقالها لأروقة وقاعات الكونجرس وبدء حرب الشتائم المتبادلة بين النواب رغم انه لا ينبغي أن يكون لـ ( الإسلاموفوبيا ) مكان في أي مكان في أمريكا ناهيك عن بيت الشعب ومؤسسة التشريع
للعلم فقط ظاهرة ( الإسلاموفوبيا ) ليست حديثة عهد في امريكا ولم تكن مجرد ظاهرة نشأت مع انتخاب ترمب ( رمز تجديد الهوية البيضاء ) إذ طالما اشتكى المسلمون في الولايات المتحدة من تَعرضهم للتمييز والاعتداءات خاصة في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويورك وواشنطن بات الإسلام هدفا مستباحا للصور النمطية السلبية وتصاعد العداء والكراهية في الغرب عموما وامريكا خصوصا على ايدي المتطرفون الإنجيليون
قبل ايام قليلة وبعد صبر طويل واستنفاذ لكل سبل القدرة على مواصلة الاحتمال وجه 62 موظفاً مسلما من موظفي الكونغرس الأمريكي رسالة مفتوحة الى قادة مجلس الشيوخ الأمريكي طالبوهم فيها باتخاذ الإجراءات العاجلة ضد استمرار وتعاظم ممارسات رهاب الإسلام ( الإسلاموفوبيا ) المكشوفة التي يتعرضون لها في أعقاب مواجهتهم سلسلة متكررة من الهجمات المدفوعة بنوازع الكراهية المعادية للإسلام والتي أثارت شعوراً كبيرا بـ ( القلق والخوف) بين الموظفين المسلمين في الكابيتول هيل
رسالة الموظفون المسلمون ورد فيها ما نصه ( إننا نشهد مضايقات متواصلة ودون رادع لأحد أعضاء الكونغرس المسلمين وهو ما يشعرنا بأن مكان عملنا اصبح ليس آمناً ولا متقبلاً لنا ويتعين علينا الآن أن نأتي إلى العمل كل يوم ونحن نعلن أن الأعضاء والموظفين أنفسهم الذين يداومون على استخدام المجازات اللفظية المعادية للإسلام والتلميحات بأننا إرهابيون يسيرون إلى جانبنا ويجلسون بيننا في قاعات الكونغرس )
وقد دافع الموظفون المسلمون بقوة لافتة عن النائبة المسلمة إلهان عمر ودعوا إلى نبذ خطاب التحريض الذي أصبح يؤدي إلى تهديدات ( جسدية وعقلية وعاطفية ) لهم ومن المنتمين إلى كلا الحزبين الأمريكيين الجمهوري والديمقراطي
ومن ضمن ما قالوه ايضا في رسالتهم نحن نعرف تلقائياً أن الأمر سيمر دون اي عقاب او عواقب لكن بقاء هذا النوع من السلوكيات الضارة ينطوي على تجذير وتطبيع للكراهية ضد مجتمع ديني بأكمله ونحن نواجه بالفعل عقوداً من خطاب الازدراء وجرائم الكراهية والمراقبة المتعسفة وانعدام الثقة والتمييز والشيطنة والعنف والتحريض بكل اشكاله
هذه الانتفاضة العاجلة والمكاشفة الجريئة والعبارات الصريحة لموظفو الكونغرس المسلمين جاءت بعد فترة وجيزة من انتشار فيديو على موقع فيسبوك تشبِه فيه النائبة بالحزب الجمهوري اليمينية الموالية للرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب ( لورين بويبرت ) زميلتها الديمقراطية المسلمة إلهان عمر بشخص إرهابي يحمل قنابل وتقول ضاحكة في المقطع نظرت إلى يساري فوجدت إلهان عمر وقلت حسناً ما دامت لا حمل حقيبة ظهر فأعتقد أننا سنكون بخير
الاستعارات والتعليقات العنصرية البغيضة أثارت ضجة وانتقادات واسعة ضد النائبة الجمهورية خاصة وانها مشرعة للمرة الأولى مما جعلها في وقت لاحق تقدم الاعتذار من خلال منشور لها على موقع تويتر قالت فيه ( أعتذر لأي شخص في المجتمع المسلم ساءه تصريحي حول النائبة إلهان عمر وقد تواصلت مع مكتبها للتحدث إليها مباشرة وان هناك كثير من الاختلافات السياسية التي يجب التركيز عليها بدلاً من الانصراف إلى هذا الإلهاء الذي لا فائدة منه والمفاجأة أن القصة كلها كانت مفبركة ولم تلتقِ النائبة المتطرفة بإلهان عمر التي هاجمتها وقالت إنها كاذبة ووصفتها بالمهرجة
وفي ذات السياق وعلى نفس النهج وجهت النائبة الجمهورية اليمينية المتطرفة من ولاية جورجيا الأمريكية ( مارجوري تايلورغرين ) ايضا عبارات والفاظ عنصرية مشابهة ومعادية للإسلام للنائبة الهان عمر ورفضت الاعتذار لها كما فعلت نائبة ولاية كولورادو لورين بويبرت حيث قالت غرين في تغريدة لها عبر حسابها على موقع تويتر إنه يجب على الناس عدم الاعتذار أبدا للمتعاطفين مع الإرهاب الإسلامي أو الشيوعيين أو أولئك الذين يمولون القتل بأموال ضرائبنا وتابعت إن إلهان عمر وفرقة الجهاد من امثالها لا يستحقون الاعتذار
من جهتها قدمت النائبة ( آيانا بريسلي ) من الحزب الديمقراطي وهي حليفة لإلهان عمر عريضة إلى مجلس النواب طالبت فيها بتجريد لورين بويبرت من أي مهام لها في لجان المجلس كما قالت اننا نعلن تضامننا مع النائبة إلهان عمر وزملائنا المسلمين الذين ظلوا لفترة طويلة عرضة لكراهية وعنف لفظي لا مثيل له وطالبت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي باتخاذ إجراءً عاجل وحاسم ضد النائبة الجمهورية بعد حديثها العنصري الذي اعتبرته ترهيباً واضحاً من الإسلام ورعاياه
كما طالب لاحقا عدد من النواب الديمقراطيون مجلس النواب بإعفاء بوبيرت من مهامها في لجان المجلس على خلفية تعصبها الأعمى ضد الإسلام وذلك بعد أيام من نشر إلهان خلال مؤتمر صحفي تسجيلاً صوتياً مليء بالإهانات ويحمل تهديداً لحياتها حيث قيل فيه ( لن تعيشي طويلاً أستطيع أن أضمن لك هذا تقريباً ) وقد اتهمها المتحدث في التسجيل بأنها جهادية وخائنة بحسب مزاعمه
فيما عقَبت إلهان على هذا التسجيل بالقول إن ( إدانة ذلك لا ينبغي أن تكون قضية حزبية فقط فالأمر يرتبط بإنسانيتنا وحقوقنا الأساسية المتعلقة بحرية المعتقد الديني المحفوظة في دستورنا ) وبينت إنها واجهت تهديدات عديدة بالقتل إذ قام أحد مؤيدي الرئيس السابق بتهديد حياتها في عام 2019 بسبب تصريحاتها بشأن إسرائيل والسياسة الخارجية للولايات المتحدة والتي كانت موضع غضب حاد من بعض الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء
أجد هنا من المفيد بهذا الجانب التذكير بدعوة عضو الكونغرس الأمريكي( توماس تانكريدو ) عام 2005 بتدمير مكة المكرمة والمدينة المنور وما صرح به قبل يومين فقط العضو الجمهوري بمجلس النواب الأمريكي والنائب عن ولاية أريزونا ( بول جوسار ) بالدعوة لهدم الاقصى المبارك بما يؤكد فرضية زيادة الرغبة في قبول الاستبداد والتحيز والتطرف الأهوج
الكل يسأل في امريكا الم يحن الوقت لوقف سطوة وتهور ( الديماغوجيين ) من انصار ترمب وانهاء التعصب والكراهية وادانة الخطاب المعادي للإسلام والادراك بان هذه الأقوال تمثل العنصرية الحاقدة والإرهاب ضد الإسلام والمسلمين وتنطوي على تعصب ديني بغيض وجريمة خطير وان استمرارها يشجع النزاع والعنف والتعصب الديني المقيت بين أبناء الديانات السماوية فضلا عن ا أنها تتنافى مع الشرائع الإلهية والمواثيق الدولية
لقد سجلت في الولايات المتحدة الأمريكية على مدى سنوات عديدة سلسلة اعتداءات وازدادت ضد المسلمين زادة وتيرتها وحدتها خلال الفترة الأخيرة في ظل اتساع رقعة الإسلاموفوبيا في امريكا والغرب والتي تغذيها مواقف رسمية ومنظمات اهلية وممولين كبار لتأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين حيث قدمت الشبكة المعادية للمسلمين أكثر من 57 مليون دولار من أجل شيطنة المسلمين في منظور الرأي العام والتي كان من أبرز نتائجها الاخيرة مقتل سيدة أردنية وابنها في حادثة إطلاق نار في لاس فيغاس
من أسوأ الانقسامات التي زرعها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب في امريكا الانقسام الذي أحدثه من خلال خطاباته البغيضة ضد الأقليات بما في ذلك الخطابات الكثيرة المعادية للمسلمين التي ظهرت في عامي 2011 و2012 حين أشار ترمب إلى أن الرئيس السابق باراك أوباما هو مسلم سراً وهو كلام غير صحيح بالمطلق
يذكر أن النائبتين المسلمتين إلهان عمر ورشيدة طليب تواجهان منذ انتخابهما كأول امرأتين مسلمتين في الكونغرس الأمريكي هجمات معادية للإسلام من وسائل الإعلام اليمنية المتطرفة وسياسيين جمهوريين وفي مقدمتهم كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب
مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ( كير) أعلن مؤخرا أنه سيمنح النائبة إلهان عمر المولودة في الصومال جائزة أفضل شخصية لعام 2021 بعد خلافها الأخير مع النائبة بويبرت كبادرة رمزية لرفض أن يكون الكونغرس مكانا لتصريحات وعبارات الكراهية الخطيرة من قبل العديد من المشرعين مناهضي الإسلام اضافة الى الاحتجاج على استمرار تقاعس اعضائه في تمرير مشروع قرار يدين العنف والتعصب المتنامي ضد المسلمين
ختاما وبالنظر إلى الوقائع وكيفا انتهت هذه القضية ستبقى امريكا تتصدر قائمة الدول المعادية للإسلام والمسلمين رغم كل أكاذيب التعايش مع الديانات والثقافات والأعراق واحترام الأقليات الأخرى وبالأخص المسلمين بالتزامن مع سياساتها الحكومية التي توصف بالعدائية تجاه الإسلام في الماضي المظلم والحاضر المؤلم
حين تسيد الرفض الأمريكي الواضح والصريح للتعايش مع القيم الإسلامية ومنع ممارستها واستفز مشاعر المواطنين الأمريكيين المسلمين ليخدم أصحاب الأفكار المتطرفة ويعطي مبرر للإجرام والعنف والإرهاب وهذا بحد ذاته يتطلب تصديا إسلامياً شاملا لتلك السياسات الخطيرة والكراهية العفنة ضد جميع مسلمي أمريكا الذين لا يمكن انكار دورهم على كافة الأصعدة وإسهامهاتهم المشهودة في خدمة وبناء المجتمع الأمريكي عبر سنوات طويلة بطبيعتهم المسالمة والتزامهم بالقوانين والاعراف واحترامهم للديانات والعقائد الاخرى
mahdimubarak@gmail.com