خطأ إعلامي وسياسي عربي


جهاد المومني

يقع الاعلاميون العرب في خطأ استراتيجي جسيم اذ يرددون من وراء السياسيين مواقفهم وتصريحاتهم التي تقوم على فكرة ناقصة هي رفض التهجير الذي تدبره الولايات المتحدة واسرائيل دون اي تفسير او شرح لهذا (الرفض الدبلوماسي) ويقوم الاعلام باعادة هذه التصريحات كما هي دون أن يساهم في توضيحها باعادة قضية التهجير الى جذورها، رفض وادانة وتهديد بعدم القبول، لكن لا حديث صراحة عما يجب على العالم سماعه من اسئلة، لماذا على الفلسطينيين مغادرة وطنهم وهم اصحاب الارض، ولماذا لا يعود سكان غزة الى اراضيهم وجلهم من اللاجئين من مدن وقرى احتلتها اسرائيل وطردتهم منها في اعوام 1947 و1948 و1967، في المقابل لماذا لا يعود المستوطنون الاسرائيليون الى دولهم التي هاجروا منها للاستيطان في ارض ليست لهم.!

تقتصر الرواية العربية منذ اكتوبر 2023 على رفض النتيجة وهي تفريغ الارض من سكانها دون الخوض في المعطيات والاسباب التي اوصلت الشعب الفلسطيني الى هذه الحال، والنتيجة هنا هي التهجير، لكن لا احد يعين الاردن في سرديته المتماسكة عن القضية الفلسطينية ويدفع باتجاه اعادة القصة الى بدايتها، حتى ان البعض لا يبرر رفضه التهجير الا في عدم قدرة البلدان المستهدفة به على استقبال اللاجئين الفلسطينيين ولا يعللون الرفض بالعدالة الدولية وارتكاب الدول العظمى أكبر كارثة حدثت في العصر الحديث وهي دعم اسرائيل وارتكابها جريمة التهجير الاول للشعب الفلسطيني وقيام كيان غريب على ارضه واحلال مرتزقة من مختلف اصقاع الارض مكانه.

خطأ سياسي فادح يقع به اعلام العرب يتمثل في طي مراحل القضية الفلسطينية والقفز عن اهمها وأخطر ما فيها الى احدثها وآخر ما ارتكبته اسرائيل والتعامل مع آخر جرائمها وخلقها وقائع جديدة على الارض، فاليوم قلما تجد سياسياً او اعلامياً عربياً يتحدث عن الاحتلال الأول والاستيطان الاول وعن تهويد القدس العربية وحق العودة للاجئين وكأن هذه القضايا تلاشت من اذهان السياسيين ووسائل الاعلام العربية وتحليلاتها.!

الاردن الدولة الوحيدة التي تفتح ملف القضية الفلسطينية على اول صفحة فيه، بينما يجري التركيز عربياً على الاثار التي سعت اسرائيل الى اشغال العرب بها بتشريع الاحتلال والاستيلاء على الاراضي وتهويد القدس ودفن قضية الدولة الفلسطينية.

في وقت انهمك فيه العرب بمناقشة قضايا التطبيع وتعطل عملية السلام ومسؤولية اسرائيل عن انهيارها برفضها للمبادرات السلمية المغرية التي قدمها العرب لها، واكتفوا بمحاولات ادانة اسرائيل وجعلها مذنبة امام العالم وخاصة الدول الكبرى التي لم تنفع معها بيّنات الادانة وبراهينها وتاريخ من الاجرام الصهيوني المثبت، فاغدقوا على اسرائيل بالدعم والتأييد والاسلحة الفتاكة لاستكمال مشروعها على حساب العرب.

بلع العرب طعم الانشغال بالتهجير واصبح قضيتهم الاولى رغم استحالة تنفيذه كمشروع إسرائيلي – أميركي عبر التاريخ افشله الغزيون واحبطوا مؤامراته عدة مرات، واليوم التهجير يصبح (طوعياً ) في غزة واستثمارا خاصا بعائلة، ويتقدم على حساب عشرات المؤامرات الأصغر والقابلة للتنفيذ، فمنذ مجيء ترامب وهو يلقي بتهديداته بالتفاهم مع الارهابي نتنياهو لتخويف العرب وتحصين اسرائيل بما حققت حتى الآن، ومما حققته من حربها الأخيرة وهي الاطول والاكثر كلفة في تاريخها، قتلها زهاء مائة الف فلسطيني لمعادلة الميزان الديمغرافي لصالح المستوطنين، وانهاء حزب الله عسكرياً والاستيلاء على اراض سورية جديدة والبقاء في جنوب لبنان والعودة للسيطرة على حزام يحيط بغزة من جميع الجهات بما في ذلك محور فيلادلفيا بين سيناء المصرية وقطاع غزة اضافة الى تحريض ترامب على ضرب مفاعلات ايران النووية وتسلم القنابل المناسبة لعملية تدمير كبرى لهذه المفاعلات، هذا كل ما تريده اسرائيل من وقائع جديدة على الارض في الوقت الراهن سينشغل بها العرب والعجم لسنوات طويلة بينما اسرائيل تبني المستوطنات وتقضم الاراضي وتقتل فرص الدولة الفلسطينية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.