دار يا دار الوفا يا دار…
عبد الله العسولي
هناك في ازقة الحي المتهالكة أطرافه ..ومع اعوجاج طريقه المغبرة المحفرة..وعلى نسمات جدران الحي الرطبة نمشي إلى أن نصل الى تلك الدار التي تجمعنا فندخل من (حوش) المنزل الرقيق والملتف امام المنزل تكسو أجناب هذا (الحوش )بعضا من غصون أشجار يابسة وبعضا من خشب مهترءا أطرافه يغطى ساحة صغيرة نجتمع فيها بسهر وعلى ضوء قمر في ليالي بدر تنساب بعض إنارته إلى داخل البيت من (شقوق )باب لم يغطي داخل البيت ظلاما بل اقتحم الضوء الداخل قسرا من فتحات باب وشم الزمان عليه بعض تآكل.. فنفخ الضوء بالبيت أنسا يسعف الداخل ليستدل على شيئا يريده
هنا وفي فناء المنزل …تبادلنا حديث سهر جمع أحبة تآنست جلساتهم لتهفو في صدورهم بوارق محبة وسمر يتخللها ابريق شاي اسمر لونه من وهج وسناء حطب لم يرحم الإبريق فعليت حرارته ليلطع ماسكه حرقا على حين غفلة لينفض حامله يده ألما من لظى نار تجمعت على يد إبريق باغت ماسكه بألم أنساه ما وصل إليه فكره وعكرت صفوه.
…نتكئ على جدار ذلك البيت سهارى ترك على المتكأين آثار أتربة كانت قد كست الجدار بعد ريح داهمته.
هنا في هذا المنزل …يفاجئنا سقوط أتربة من بين ثنايا( شواريط سقفه )فتنهرنا لنعدل جلسة كانت أفكارنا قد شطحت بعيدا.
تهب علينا نسمات ليل عذرية باردة تدخل البيت تمنحنا راحة نفس وجوارح…
هنا على جدار البيت فتحة تحوي فانوس إنارة يكسوه (بنورة زجاج نمر 4) تحمي (فتلة )غمست بكاز ليستمر اشتعالها تمنحنا إنارة بليل.
في هذا البيت المأكل والمشرب والمنام وجلسات السهر والضيافة ومخزن أغذية الشتاء والصيف…
في هذا البيت وليس بغيره كل ممتلكات أصحابه …وبه شباكان صنعتا على عقدته العليا… محميان بقضبان حديدية قوية كنا نقف على تلك الشبابيك ونمسك قضبانها بيدينا نتفرج على المارين من أمام المنزل نداعب أطفال يمروا من أمامنا ونسلم على كبار المارين .
عند الباب وفي زاوية ضيقة هناك( مخبزة) مغلفة (بشوال خيش) تبقي ماء الشرب فيها باردا ينساب من تحت الجرة نقط ماء تنزف رغما عنا تتجمع في وعاء تحت الجرة ليتم استعمال الماء النازف بمأرب أخرى
على الجرة (كوز) حديدي يشرب منه كل أفراد العائلة .
…في أكثر الأحيان تنام العائلة مبكرا وقسرا لتوفير بعضا من كاز وضع في القنديل ليكفينا في ليالي مظلمة قادمة .
هي الحياة بعفويتها وبساطتها لها طعمها الطيب ولذتها التي غطتها تلك اللحظات الجميلة التي تجمعنا .
كانوا هم.. وكنا نحن ..فذهبوا هم.. وبقينا نحن ..لنعطي إلى أولادنا دروسنا تخلد في سجل الذكريات الجميلة
وصف وتذكير جميل لاعزاء واحداث واماكن واوقات كانت قاسية لكن رائحتها وذكراها وذكرى احداثها واشخاصهها جميلة لكنهها ذهبت ولن تعود فسلام على الذين رحلوا اين ما وجدوا نشتاق اليهم في بيوتهم الابدية وعسى الله ان يبد هم اهلا ودارا وحلا خيرا مما كانوا فيه
سلمت ياابومعاذ وادامك الله ولا أقول لك الا كما قال الشاعر علي بن الجهم :-
اعدن لي الشوق القديم وزدن جمرا على جمري