دمج وزارتي التربية والتعليم العالي… والإدارات الجامعية..!
د. مفضي المومني
=
بقلم /د. مفضي المومني.
في الأفق..وتنفيذاً لخطة التحديث الإداري التي اعلنت، سيتم دمج وزارتي التعليم العالي والتربية، تحت مسمى وزارة التربية والقوى البشرية، واقترحنا منذ زمن أن تكون التسمية( وزارة التعليم والقوى البشرية)؛ لأن هذه التسمية ستشمل كل مستويات التعليم من العام إلى المتوسط والعالي، وكذلك التعليم يشمل كل أنواع التدريب حسب تعريفات عالمية ومنها منظمة العمل الدولية، وكذلك يشمل التعليم المستمر ، ويشمل أيضاً منح الدرجات العلمية(خريجي التعليم العالي؛ دبلوم، بكالوريوس، ماجستير، دكتوراه) والشهادات لخريجي المرحلة المدرسية النظامية وكذلك الشهادات لخريجي مراكز التدريب أو الدورات التدريبية( طويلة وقصيرة المدى) والتي تمنح حاملها شهادة وليس درجة علمية.
الدمج الحقيقي لأعمال الوزارتين وإتباع كل مزودي التعليم(العام والعالي ويشمل التعليم الجامعي المتوسط؛ تقني وتطبيقي وإنساني، والعالي بدرجاته والتدريب النظامي أو بدورات وغيره من أشكال التعليم والتدريب الوطني عام أو خاص)، وأقترح لهذه الوزارة مجلس أعلى يتبعه أربعة مجالس متخصصة؛ مجلس تعليم عالي ومجلس تربية ومجلس للتعليم التقني والمهني، ومجلس للقوى البشرية) بحيث تكون مهمتها حسب القطاع إشرافية ورسم سياسات لكل قطاع، ترفع أعمالها للمجلس الأعلى بحيث تكون القرارات والسياسات تكاملية وإشرافية وتخطط للقوى البشرية على المستوى الوطني بقطاعية العام والخاص، وتؤسس لتخطيط محكم بين مزودي التعليم والحاجة الآنية والمستقبلية للقوى البشرية بمستوياتها وتخصصاتها كماً ونوعاً، وربط كل ذلك بخطط وتوجهات الدولة التنموية للمستقبل، لنتخلص من العشوائية والإنفلات في السياسات التي خلقت فجوة كبيرة بين العرض والطلب.
القضية الثانية وكما نشر اليوم في طلبة نيوز بما يخص الغاء وزارة التعليم العالي ودمجها، والتركيز على الإدارات الجامعية وإعادة تقييمها، وكذلك إستقلالية الجامعات، ووضع أنظمة تكفل وصول قيادات أكاديمية كفؤة إلى مواقع القرار في الجامعات، ملمحاً لتغييرات واسعة قد تتم على القيادات الأكاديمية ومفهوم أن المقصود رؤساء الجامعات أولاً وقيادات الصفوف الأخرى ثانياً، وهنا لا بد من الإعتراف أن مشكلتنا الكبرى في الجامعات كانت في الإدارات، ولا أدل على ذلك من التغييرات المتتابعة لرؤساء الجامعات والمرتبطة بتغيير الوزراء أحياناً أو الإعفاء المستحق أو غير المستحق، وتعدد أسس التعيين وتغييرها كل حين ربما على مقاس مطلوب أو إجتهاد صحيح أو خاطئ، والنتيجة قيادات بالأسم للبعض والعمل لا يتعدى مدير تنفيذي يضعف ويقوى حسب الرئيس المعين ودعمته أحياناً أو إتقانه لعبة مقايضة المصالح مع جهات مختلفة تزيد في عمر بقاءه ( ولو خربت روما) على حساب الجامعات ومقدراتها وسمعتها الأكاديمية… ونعرف جميعاً الكثير من هذه الممارسات والتي كادت أن تودي بسمعتنا الأكاديمية وتاريخ جامعاتنا العريق، وبعض هذه القيادات ساهمت بشكل كبير في تأخرنا عن ركب التقدم المتسارع في اقليمنا على الأقل بعد أن كنا في الطليعة، وهنا لا بد من وضع بعض الملاحظات والمقترحات لضمان الأختيار السليم، ومن ثم المراقبة والمتابعة والتقييم، ومدى تحقيق الأهداف المرجوة لنعود لسلم التقدم والمنافسة:
1- إستبعاد أي تدخلات من أي جهة كانت في التعيين لرؤساء الجامعات..! والإعتماد على لجنة من الأكاديميين الخبراء والمستقلين المعروفين في عملية الإختيار ضمن أسس معلنة وشفافة تدمج بين المؤهلات والكفاءة والنقاط وعقل الدولة في الإختيار.
2- وضع عناصر إختيار حصيف لرؤساء الجامعات يشتمل على؛ المؤهلات الأكاديمية والبحثية، و الشخصية القيادية الأخلاقية الإنسانية المؤثرة، صاحبة الرؤيا والرسالة والسمعة والخبرة الأكاديمية والقيادية والخبرات السابقة وسمعته في المؤسسات التي خدم فيها، ولا يكفي التميز الأكاديمي والبحثي وحده للإختيار… فالتجارب علمتنا الكثير وأن الأسوء في القيادات السيئة هم الأكاديميون حين ينحون نحو الإدارة بالمزاج والشخصنة والتسلط والإحتماء بجهات متنفذة، وتقبل الواسطة والمحسوبية والتطاول على المال العام وتفريغ الجامعات من الكفاءات بالتصيد وتدبير المكائد للعاملين والعبث بالترقيات وتحويل الجامعات من بيئة اكاديمية خصبة إلى بيئة منفرة، وقتل الدافعية وروح الإيثار والمسؤولية والعمل لدى العاملين، وتقريب الضعفاء وإبعاد الأكفاء… .وممارسات وموبقات كثيرة حصلت بالمدى القريب والبعيد للأسف.
3- وضع نظام تقييم لكل رئيس جامعة مرتبط
بتحقيق الأهداف ورضا العاملين وسمعة الجامعة وتقدمها في التدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع والجامعة المنتجة، وأن يكون التقييم مركزي محايد لا يتدخل به الرئيس ومجالسه، وتجربة التقييم من مجالس الأمناء فشلت لحينه،
والدليل التغييرات المتلاحقة… لأنها تعتمد على تقارير تعدها إدارة الجامعة وتفتقر للموضوعية غالباً، إضافة لجنوح بعض المجالس وبعض أعضائها لبناء علاقات مصلحية مع الرئيس والحصول على تنفيعات، وهنا تختل معادلة التقييم، والأمثلة كثيرة ومنها ما حدث… حيث كانت تقارير مجالس الأمناء (في العلالي)… وحين تكشفت الأمور ظهر المخفي وكان التقييم بواد والواقع بواد آخر…من سوء الإدارة والعبث بالتشريعات والتطاول على المال العام والمخفي أعظم.
4- وضع تشريع من أين لك هذا موضع التفعيل لكل رئيس جامعة جديد او قائم… وإلزامه بالتشريعات لتقديم إفصاح مالي عن ممتلكاته قبل التعيين، لضمان عدم الاعتداء على المال العام أو الفساد أو الإثراء غير المشروع وتفعيل قانون من أين لك هذا… !، حيث أن الجامعات ميزانيتها بعشرات ومئات الملايين وآمر الصرف هو الرئيس، فإذا كان كل هذا يُطلب من شاغلي مناصب من وزير لأمين مستودع فلماذا لا يُفعل لضمان أموال الجامعة العامة وعدم إنجرار أي أحد للعمل والتكسب الحرام من تحت الطاولة في العطاءات أو غيرها من الأمور…!.
5- إنشاء لجنة عليا محايدة في الوزارة لتقبل أي ملاحظات أو شكاوي تخص العاملين من أعضاء الهيئتين التدريسية والإدارية في جامعاتهم وإداراتها… والبت بها بشكل قطعي، وعدم اللجوء للقضاء، إذ أن التجربة كانت مريرة على الكثير من دكاترة الجامعات الذين تعرضوا للظلم وافتعال المكائد من بعض الرؤساء… فكان جل وقتهم عند المحامين وأروقة المحاكم للبحث عن إنصافهم… بدل الإنشغال بطلبتهم وأبحاثهم واعمالهم الأكاديمية وجامعتهم… ناهيك عن الأموال التي يدفعونها على حساب عائلاتهم ومعيشتهم… .
6- يجب أن يشارك في التقييم لرؤساء الجامعات وبشكل دوري سنوي أو كل ستة أشهر، أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات ومن خلال خوادم الوزارة الجديدة وليس خوادم الجامعات لضمان السرية والحيادية بحيث تكون عناصر التقييم شفافة وموزونة تشكل معلومة يعتد بها في التقييم لأعمال وسلوك إدارة الجامعة، فالجامعات حاليا لديها تقييم الكتروني للمدرسين ومن باب أولى أن يقيم المدرسين إداراتهم، وتكون التغذية الراجعة إما تصحيحية أو تطويرية أو التخلص الفوري من أي إدارة عاجزة.
7- ضبط ومراقبة البيانات المرسلة لهيئات التصنيف العالمية ومرورها من خلال قسم خاص في الوزارة والتحقق من صحتها أو وجود تظليل فيها… حيث كانت ممارسات بعض الرؤساء تسجيل بطولات وهمية ليست من الواقع بشيء ، من خلال بيانات غير صحيحة… للحصول على مراكز غير حقيقية والأمثلة موجودة لمن يبحث عنها..!.
8- وضع نظام ترقيات موحد لكل الجامعات(كما في جمهورية مصر العربية مثلاً) ويمكن أن يتم بشكل مركزي لإبعاد الأمور والتأثيرات الشخصية عن الترقية، وضمان شفافيته ورصانته وموضوعيته، فهذه قضية معاناة عاشها الكثير من المدرسين في بعض الجامعات.
9- تغيير التشريعات، وإقتصار مدة تعيين الرئيس على اربع سنوات، وفي حالات خاصة جدا ومتميزة وضع إستثناء التمديد، لأن السعي لفترة ثانية من البعض قد يصاحبة تراخي لضمان الرضى…والإستمرار… أو ترحيل ما لا يجب ترحيله..!.
10- السلطة المطلقة مفسدة مطلقة مبدأ إداري أثبت صحته على مدى التاريخ، تَركيز كل سلطات التعيين للمجالس في يد الرئيس وخصوصاً إذا كان ضعيفاً أو متسلطاً يسعى لتكريس تسلطه ويبحث عن الضعفاء ويستبعد المؤهلين الأكفاء، ساهم في تراجع الجامعات، وهنا يجب تغيير طريقة الإختيار، إما بالتنافس أو الإنتخاب، لكي لا تكون المجالس وإدارات الصف الثاني والثالث.. أداة مطواعة تبصم وتمالئ الرئيس في أي قرار… لأن مخالفته للرئيس تعني تغييره… ومن الممارسة حدث ويحدث هذا في جامعاتنا.
نتطلع لمرحلة جديدة مع الوزارة المدمجة… والوزير الجديد لتغييرات تصب في مصلحة التعليم العالي وتطوره… قد لا نكون تأخرنا ولكننا نسير ببطء شديد، ويجب أن لا تبقى سياسة ترحيل الأزمات والتغيير قائمة… يجب أن نعلق الجرس… وأن نحتكم لمؤسسية فاعلة لتعيين الإدارات الجامعية لا تتغير بتغيير الوزراء… جامعاتنا مؤسسات وطنية راسخة نعتز بها… ويجب أن نسعى دائما لتطويرها نحو الأفضل والعالمية، لدينا موارد بشرية كفؤة… ولكننا نعاني من موضوع بعض الإدارات ونطمح لأفضلها… ولتكن هذه الخطوة واحدة من ملفات أخرى يجب فتحها في تعليمنا العالي… حمى الله الأردن.
مع خالص التحية وعظيم الاحترام
بما أن المجالس الأربعة في الهيكل المقترح للدمج حرصتم فيها على وجود مجلس التربية، وهذا أمر غاية في الأهمية، فليكن للتربية حضورها في التسمية التي حذفت منها كلمة التربية، وهي الكلمة الأشمل والأقوى لغة ودلالة؛ فمن أجل تربية الفرد لا بد من توجيهه وتعليمه وتدريبه وقياس أدائه واستمرار رعايته وتطوره لخدمة نفسه ومجتمعه ووطنه.
فنأمل ألا تفقد التسمية روحها الحقيقية(( التربية)).
وتقبلوا فائق الاحترام وخالص الدعاء بالتوفيق لخدمة الوطن الحبيب.