ذكريات امٍ ماتتْ
عبد الله العسولي
في هذا اليوم تتجدد الذكرى …وتجدد الأحزان المدفونة في قلبي …
اقف اليوم يا أمي أمام قبرك الذي يرقد فيه أعظم مخلوق واعز رفيق …أُعاتب التراب الذي علاك…وأُعاتب اللحد الذي ضمّك …ألا تستحي ايها القبر كيف تضم بين ثناياك عنوان العظمة والرحمة …ألا تستحي أيها القبر ان يُدفن فيك كل آمالي ومستقبلي وحياتي ..
أيها الجسد الساكن تحت طبقات الثرى …اه ثم اه كم ضاقت بك الأرض بما رحبت …كم واجهت المصاعب والمتاعب وقسوة الزمن الذي لا يرحم …فكنت تتصارع مع الحياة ومرارتها بثبات المؤمن …
كنتي لا تقرأي ولا تكتبي يا أمي …لكنك تستحقين كل شهادات الدنيا …فمِن صبرك يتعلم الكبار ومن حنانك تُلقى الدروس ومن إيمانك بالله يستقي العلم منك العظماء …على تسابيحك تُستجاب الدعوات وبتهاليلك تتسابق ملائكة الرحمة لكتابة الحسنات …الست من قرن الخالق رضاه برضاك؟
…كم فتحت يا أمي يديك بابتهالات الدعاء ببرد الشتاء الذي لا يزدكِ الا دفئا، وبعُتمِ الليل التي لم ترينها إلا نورا …
ايها القبر- فيك العظمة …وفيك الكبرياء ..وفيك المجد …وفيك من اشقتها السنون …وأسهرتها مُرّ الليالي وعلقمها …وبحّت صوتها الآهات والحسرات …
ايها القبر …يسكُن فيك من صادق الليل وجالسه …وشاهدٌ على ذلك القمر والنجوم …
كم يا أمي أطفأتِ انّاتي …وكم مسحت آلامي بيديك الطاهرتين اللتان حملتا طُهر الدنيا بأكملها …فبهما بلسم الشفاء وطُهر العفّة …وبركة الخالق …
كم قبلّتيني ودموعكِ تتساقط على وجنتيّ النحيلتين وأنا نائم لأصحو على همسات دُعائك…كم كانت شفتاك ترتجف خوفا عليّ مِن مرارة الزمن وخوف المجهول القادم …
كم بادلتيني نظرات العِتاب لأنظر في عينيك الدامعتين، ووجهك المجعّد الذي شاخه التعب ….
كم طال عليك الليل لتنهضي مع ضوء الفجر الأول تجمعي أعشابا أبتْ أن ترفع قامتها احتراما لكيانكِ الزاهي، لتغليها لي واشربها دواءا من يديك اللتين فيهما كل شفاء أسقام الدنيا …يديك الخشنة كانت أنعمُ على وجهي من كل نواعم الدنيا ..فتسقيني بلسم الحياة …وصفاء الروح بمعلقةٍ ترتجف هيبةً من عِظمة وقارك ….كبرت أنت يا أمي ولم اكبُر انا، فأنا ابقى طفلا مهما كبّرنيَ الزمن ..
تتناقص الكلمات …وتُكمل الدموع الحكاية …ويعتلّ هذا الصرح الشامخ يوما ..عِلة الوداع …فتخور قواكِ التي ما عرفتْ الضعفُ يوما، ويلتحفُ الجسد …وتُحملي الى مشافي الأرض التي لا تُقدم ولا تُأخر من العمر شيئا …وأتبادل وأمي الأدوار …أنيّم امي على سرير الشفاء ..وتشحذُ بعيونها (الفزعة.).. تُعاتبني بنظراتها ..المْ أحملك ..المْ أربّيك ..الم امسح أنّاتك وآهاتك… وقد سكنَ صوتها ..لأقفَ ضعيفا لا حول لي ولا قوّة إلا الأمل المرتجى من أجهزةٍ ضعُفتْ خجلا أن تمنحها تحسّنا او شفاءا …
وينظر إلينا الأطباء والممرضين حياءا …لتنسلَّ الروح إلى باريها وينتهي فصلٌ عظيمٌ من فصول الدنيا الزائلة
…أبعدَ هذا كله هل التكريم يكفي للام …هل قطعة الحلوى او هدية او قطعة ذهب تُعطيها حقها …
فالى كل الأبناء أقول ….لا تبخلوا على أمهاتكم واخفضوا لهنّ جناح الذُل من الرحمة …فأمامكم الجنة …فلا تخسروها
كل عام وأمهات الدنيا بخير والرحمة كل الرحمة لمن ودّعت الدنيا وزينتها …إلى الآخرة ونعيمها .
ملاحظة : استميح احبتي عذرا أن فتحتُ عليهم احزانا وأهات .