رحيل العالم الفلكي والرمز الكويتي د. صالح العجيري
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره وببالغ الحزن والتأثر تلقينا نبأ وفاة أحد رجالات الكويت الأوفياء المغفور له بإذن الله تعالى العالم الفلكي والرمز الثقافي الدكتور ( صالح محمد العجيري ) الذي وافته المنية صباح يوم الخميس الماضي 10 / 2 / 2022 عن عمر ناهز 101 عام بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات امتدت لعشرات السنوات واليوم وبعد رحيله نستذكر بالتقدير الكبير مناقبه ومآثره وأعماله الجليلة وإسهاماته المقدرة في خدمة وطنه وامته والعالم اجمع
خلال مسيرته الزاخرة بالعطاء في المجال التربوي وعلوم الرياضيات والفلك حيث نهل من معين علمه الوافي والصافي العديد من ابناء ورجالات الكويت حيث كان رحمه الله قامة علمية شامخة يشار إليها بالبنان على الصعيدين المحلي والخارجي وقد تجسد ذلك بالاحتفاء به وتكريمه مرارا وحصوله على العديد من الجوائز عرفانا بعلمه الغزير وعطائه الكبير
ولد الراحل الدكتور صالح العجيري في 23 يونيو 1920 في حي القبلة بمدينة الكويت وبدأ رحلته العلمية من الكتاتيب حيث تعلم الحساب واللغة العربية والفقه ثم التحق بمدرسةٍ أسسها والده واستمر فيها حتى العام 1928 ليلتحق بعدها بالمدرسة المباركية ويستمر فيها حتى الصف الثاني الثانوي وعمل بعدها مدرساً في دائرة المعارف في المدرسة الشرقية قبل أن ينتقل إلى المدرسة الأحمدية
ثمل التحق بمرصد حلوان وشهد تأسيس مرصد القطامية في مصر ليبدأ بعدها بالتواصل مع المراصد الفلكية حول العالم والتي كان من أهمها مرصد غرينتش ومرصد البحرية الأمريكية وهو مؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز العجيري الفلكي وقد شق طريقه في مجال علم الفلك حتى بلغ فيه مراتب متقدمة بذكائه وعزمه ومثابرته بالرغم من نشأته في بيئة ندر فيها استخدام التكنولوجيا والعلم الحديث ومع ذلك فإن المتتبع لسيرته ومسيرة حياته يدهش من مستويات الإنجاز المتميزة والابداع الخلاق الذي اكتسبه ووصل اليه
على مدار سنوات طويلة بذل الراحل العجيري مجهوداً كبيراً وقدم اسهامات فائقة لرفع مستوى علم الفلك في الكويت والمنطقة وقد اشتهر بوضع التقاويم السنوية الناظمة ففي العام 1943 قام بطباعة أول تقويم له على أوراق صغيرة لكل شهر وفي عام 1944 طبع التقويم الثاني على أوراقٍ ملونة في بغداد وفي عام 1952 أصدر تقويماً باسمه اعتمدته دولة الكويت لاحقاً في جميع معاملاتها الرسمية
وقد كان معتمدا أيضا وموثوقا كمرجع علمي للتقاويم في العالم العربي والإسلامي كما أنشأ العجيري مرصداً فلكياً خاصاً به في بداية السبعينيات واشترى أجهزته من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من ماله الخاص وقدم أيضا العديد من الأبحاث المهمة حول الخطوط والدوائر وأهمية ميل الشمس ورصد الكواكب والنجوم ومداخلات الزمن واستخدم السماء وظواهرها للاستدلال على الاتجاهات والمواقيت والطقس والأنواء وعلوم البحار والملاحة التراثية المعتمدة كما استخدام الحسابات الفلكية الحديثة المبنية على أسس رياضية وفيزيائية وحاسوبية وغيرها
وقد قدم الراحل العديد من المؤلفات والدراسات للمكتبة العربية من أهمها علم الميقات وكيف تحسب حوادث الكسوف والخسوف وخارطة ألمع نجوم السماء ودورة الهلال وكيف تستدل على الفصول الوجهات الأربع وجدولة الوقت وله الكثير من المحاضرات والندوات والمؤتمرات وقدم الكثير من الخدمات الجليلة لوطنه وأبنائه في علم الفلك فضلا عن نقله هذا العلم للعرب والمسلمين المتخصصين منهم والباحثين والهواة ليبقى علمه النافع نبراسا ملهما للأجيال وخالدا في وجدان الجميع كشاهد على إخلاصه وحبه لوطنه وامته
تقديراً لجهوده الواسعة ومساهماته القيمة في مجال علم الفلك والرياضيات منحته مدرسة الآداب والعلوم التابعة لجامعة الملك فؤاد الأول في العام 1946 شهادة مدارس المراسلات المصرية كما حصل العام 1952 على شهادة من اللجنة الفلكية العليا للاتحاد الفلكي المصري كما منحته جامعة الكويت دكتوراه فخرية في العام 1981 ومنح في العام 1988 قلادة مجلس التعاون الخليجي للعلوم وحصل على الكثير من شهادات التقدير والدروع التذكارية وتم تكريمه في الكثير من المحافل من قبل عدد من الجهات المحلية والإقليمية والدولية
الفقيد الدكتور العجيري كان ظاهرة علمية متقدمة تركت أعمالا وإرثا فلكيا حقيقيا يستحق الدراسة كما انه يعتبر علامة بذل فارقة في كل حياته التي كرسها لخدمة العلوم والمعارف وخاصة علم الفلك حيث كان أيقونة في هذا التخصص العلمي وصانع تاريخ علم الفلك بالكويت وقد أثر على جميع دول الخليج العربي حيث كانوا يستفيدون من علومه وقد أسس مدرسة فلكية تخرج منها العديد من الشباب وفقدانه اليوم يشكل خسارة كبيرة للخليج والعالم العربي وإن علم الفلك في دولة الكويت والعالم العربي يطوى برحيله صفحة من صفحاته الرئيسية في التنوع والابداع
وأننا في هذا المقام ندعو الباحثين العرب المعاصرين وعموم طلبة علم الفلك وهواته إلى دراسة أعمال هذا العالم الجليل والبناء عليها وتطويرها والتعمق في مساراتها وتعميمها
ورغم اننا لم نحظى يوما بشرف اللقاء المباشر مع الراحل الكبير الا ان سيرته العطرة واخباره وانجازاته المتلاحقة ودراساته وابحاثه الجادة وميراثه الفلكي الأصيل والنوعي وصل لأيادينا هنا في الأردن والوطن العربي بكامله حيث كان رحمه الله من أولئك العظام الذين ألهموا بسيرتهم الحياتية والعلمية منذ مطلع شبابه وفي وقت مبكر من القرن العشرين حينما اغتنم شبابه وصحته وغناه وفراغه وحياته فيما هو نافع وخير للعلم والمعرفة ليصبح المثال والقدوة للأجيال من التلاميذ والخبراء الفلكيين بما أحرزه من عمق البصيرة وعلو المرتبة والمكانة والهمةحيث كان رحمه الله يحسب له ريادته في الاهتمام بالمراصد الفلكية والسفر في طلب العلم واحترافه التعليم بالفطرة فهو بكل الحقيقة كان مدرسة جامعة لمختلف الفنون والعلوم والآداب وقد عمت آثار علومه الجميع
وفي الختام نعرب لأسرة الفقيد وللكويت قيادة وحكومة وشعبا وللأسرة الفلكية الدولية ولمجالس العلم والعلماء عن خالص العزاء وصادق المواساة بهذا المصاب الجلل ونسأل المولى تعالى أن يجزيه خير الجزاء على ما قدمه وان يجعله في ميزان حسناته وأن يتغمده بواسع رحمته ومغفرته ويسكنه فسيح جناته وأن يلهمكم الجميع جميل الصبر والسوان ولله ما اخذ ولله ما اعطى وكل شيء عنده بأجل إنا لله وإنا إليه راجعون
mahdimubarak@gmail.com