شذرات عجلونية (37)
د. علي منعم القضاة
–
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدراً؛ فترسمني شمســا
شذرات عجلونية (37)
القراء الأعزاء أسعد الله أوقاتكم بكل الخير، حيث كُنتُم، وحيث بِنتُم، نتذاكر سويا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأن ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذهب، عجلون الحب والعتب، وستكون شذرتي هذه تابعة لسابقتها في تناول الشأن الحزبي في الأردن، وكذلك ستكون مرتبطة بشذرتي القادمة، لأن الأمر يحتاج التبصر فيه، وطرح وجهات نظر متباينة، لعلنا نبدأ بالتعبير عن الآراء وممارسة الديموقراطية قبل أن تبدأ الأحزاب والتحزبات، راجياً أن تروق لكم.
دكتاتوريات حزبية عربية
إن الناظر في حال العالم العربي الحزبية، يعلم علم اليقين أنه لا توجد أحزاب سياسية بمفهوم الأحزاب البرامجية، وإنما يوجد دكتاتوريات منتشرة في كل أنحاء العالم العربي، تسمى بمسميات حزبية براقة. فلم تقدم تلك الأحزاب السياسية، أي صورة تخدم الوطن والشعب؛ بل قدمت لنا نماذج فقيرة جداً في العمل، أو الانتماء الحزبي.
وكذلك هو حال معظم الأحزاب الأردنية، هذه هي حال الأحزاب التي من المفترض أن تكون برامجية، وتتنافس في ميدان التنافس الحر الشريف، ولكن المرايا تعكس لنا واقعاً مريراً عن التاريخ الحزبي في الوطن العربي، دون استثناء.
ما بدنا حكومة ولا أحزاب
لم تعد علاقة الحكومات الأردنية المتعاقبة في القرن الحادي والعشرين، مع الأحزاب الأردنية، تتميز بالاعتدال، والتوازن، والوسطية في الحوار، أو التعامل؛ كما كانت منذ ما يزيد عن سبعة عقود مضت، مما ساعد في المحافظة عل بقاء الأردن متماسكاً، رغم الرياح العاتية والأمواج الصاخبة والقلاقل والمشاكل المحيطة به من كل حَدَبٍ وصوب.
لا يهمني في هذا المقام كلا الطرفين؛ لا الحكومة، ولا الأحزاب، بقدر ما يهمني المحافظة على اللُحمة الداخلية لجميع مكونات المجتمع، فأي شرخ في هذه اللحمة -لا سمح الله- بسبب الحزبية، سيكون له عواقب وخيمة؛ بل ومدمرة. يجب أن تبقى علاقاتنا الداخلية سامية على هامات الحكومات المتعاقبة، مرفوعة أكثر من كل شعارات الأحزاب الرنانة، يجب أن تبقى منسجمة مع علاقاتنا التاريخية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والجغرافية، والديموغرافية، بعيدة عن كل الاختلافات السياسية، أو الحزبية، فالحكومات والأحزاب، أكثر الموجودات قابلية للتغير، أو حتى الزوال.
خلع ولادة سياسي
أسس بنيان الأحزاب السياسية الجديدة في الأردن على جرفٍ هارٍ؛ فانهار بهم فيما بعد، وقد ولدت أحزاب سياسية هزيلة على الساحة الأردنية، ما زالت تعاني من ضعف عام، وقلة خبرة سياسية، لأنها ولدت أحزاباً مبعثرة دون خطط، أو تخطيط، أو برامج سياسية، ولدت ومعها خلع ولادة سياسي، ما زالت تعاني منه جميع الأحزاب السياسية؛ ولن تنفعها كل الجراحات التجميلية، ولا للقوانين السياسية المتلاحقة؛ بل زادت الأمر غموضاً، وزادت الأحزاب تعثراً.
قوانين لم تنج لنا أحزاب؛ بل نشاطات سياسية جديدة، قام بها قدامى الساسة التي جُمدت أحزابهم، وأرادوا إعادة تشكيلها من جديد، حسب أهوائهم من أفكار وأيديولوجيات سياسية لها امتدادات خارجية، دون فهم حقيقي لروح الديمقراطية، ولا نضج كامل لتفهم الآخر، ولا إيمان بأنه يوجد شيء أسمه الرأي الآخر، ولذلك فإنه من الصعوبة بمكان أن نصنف حزباً سياسياً على أنه حزب برامجي ناضج.
الحديث عن الحزبية في الأردن حديث خرافة
أعتقد أن نقاشي هنا ربما سيكون من علامات الساعة، مناقشة حياة حزبية برامجية في الأردن، سيقودها الذين أوصلوا الأردن إلى ما نحن فيه، من حياة تشرذم، وبعثرة، تعقيباً على وجهة نظر رئيس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان في الأردن، الذي يأمل بتحقيق حلم حياة حزبية برامجية حقيقية، ولكنني أعتقد أن قيام الساعة أقرب من وجود برامج حزبية ذات جدوى.
فلم يتسع صدر الحكومات المتعاقبة في الأردن مسبقاً لسماع وجهة نظر معارضة، وقد كانت تعتقد أن كل من يبدي وجهة نظر مخالفة هو إنسان، أو حزب مأجور، أو مندس، أو عميل لجهات خارجية، وهي حكومات لا تفكر بطريقة الحوار السياسي، لذلك نرى أن الطرفين، الحكومة والأحزاب ينكران، أو يتجاهلان ادعاءات الآخر في أكثر من موقف وموقع واتجاه.
=======================
الدكتور: علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والنشر الإلكتروني
E-mail:dralialqudah2@gmail.com
Mob: +962 77 77 29 878