شذرات عجلونية (55)
د. علي منعم القضاة
=
ألا حيّها عجلون من بُرْدَةِ الهوى أسامرها بدرًا؛ فترسمني شمســا
القراء الأعزاء؛ أسعد الله أوقاتكم بكل خير، أينما كُنتُم، وحيثما بِنتُم، نتذاكر سويًّا في شذراتي العجلونية، ففي كل شذرة منها فكرة في شأنٍ ذي شأن، ننطلق من عجلون العنب والذَّهب، عجلون الحُبِّ والعتب؛ لنطوف العالم بشذراتنا، راجيًا أن تستمتعوا بها.
دعوتُ على عمرو؛ فماتَ؛ فسرني بليتُ بأقوامٍ؛ ترحمتُ على عمرو
ندق أبواب مرحلة انتخابية جديدة، ستتعالى فيها أصواتٌ بالقول إنه عرس ديموقراطي؛ وتطالب باختيار مجلس تشريعي جديد؛ فقد حَمِيَ الوطِيسَ، وتشكلت القوائم، وتزاحمت الأحزاب، وتنادى المترشحون يتغنون بملاحم، وإنجازات يدعون أنهم سيقدمونها خدمة للشعب. نعم دَعونَا على المجلس السابق وابتهلنا أن يخلصنا الله منهم فتخلصنا؛ ليس استجابة لدعاء شعب مسكين؛ بل لانتهاء الفترة القانونية لمجلس النواب.
وستكون مرحلتنا القادمة مترعة بالمقالات، ومتخمة بالتحليلات، مزدحمة بالمناقشات، والمناظرات، وما إلى ذلك من حكايات يومية تعج بها صفحات التواصل الاجتماعي، ويشترك فيها كل قطاعات وشرائح المجتمع الأردني، يتراوحون بين من يمجد الديمقراطية، ويستحث الشعب لممارسة حقهم الدستوري، وبين يائسين من كل الوعود السابقة التي لم ينجز منها على أرض الواقع شيء.
ما اشبه اليوم بالبارحة
كان مما كتبت قبل أربع سنوات، قبيل الدورة البرلمانية (الانتخابات الماضية): نرجو ألا يكون مجلسنا التاسع عشر، كما في قوله تعالى: {لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ* عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}، وألا يكون مثيلاً لفيروس كورونا، (COVID 19)، ولا أن تتحقق فينا قصة المثل العربي المعروف: “يداك أَوْكَتَا وفُوك نَفَخَ”، وأرجو أن نحسن وكاء (سِقَائَنا) قربتنا، كي لا نندم كما ندم صاحبنا الذي لم يسمع النصح.
فقد ارتفعت مديونية الأردن خلال 4 سنوات ما يقارب (15) مليار دينار، أو ما يعادل (20) مليار دولار تقريباً، لتزيد ديون الأردنيين عن (60) مليار دولار. ويصبح دين كل مولود فينا (3600) دينار حتى قبل أن يشتري له أهله عقيقة، منذ إصدار قيد الولادة في أحد المستشفيات، يولد بمديونية بدلاً أن يولد على الفطرة.
نرجو الله ألا يتضاعف الدين العام في الأعوام الأربعة القادمة ضعفي هذا المبلغ، ولذلك أحسنوا الاختيار، لعلهم يستطيعوا كبح جماح الحكومة وتسارعها نحو مزيدٍ من الاقتراض من البنك الدولي، وغيره من الجهات التي تنال من كل أردني، وعدم السماح للحكومات المتعاقبة بالسير على غير هدىً على مبدأ؛ إذا كان دين حط رطلين.
وافق شنٌ طبقة
أما آن لعقلاء الشعب أن ينتخبوا صفوة منهم، يحملون همومهم ممن عرفوهم، وخَبِرُوهُم، وعايشوهم وخالطوهم من أصحاب العقول النيرة، أم أننا فعلاً أمام حقيقة أن شنٌ وافق طبقة، الشعب والنواب. ألا ينبئ هذا التزاحم بأعداد الأحزاب بخيبة أمل!! هل يعقل أن لدى الأردنيين (37) برنامج مختلف، هذا مع حسن الظن بأن لكل حزب برنامج يسعى أن يقود دفة الحكومة من خلاله، هل تسعى جميع الأحزاب إلى تحقيق الرفاه “والرخاء” لأبناء الشعب، وإلى تحقيق أمانيه؛ هل يعقل أن يفوق عدد الأحزاب في الأردن عدد أحزاب القارتين أوروبا وأمريكا مجتمعة.
أليس بإمكان الشعب الأردني أن يبدع أحسن مما كان عند اختيار مجالسه النيابية؟! بأن يجعل “كوتا للفكر والعقل”، فإننا لا نتحدث عن عالم الخيال عند قدومنا إلى صناديق الاقتراع، بل نشهد لمن نعرفهم، ونعرف حرصهم على وطنهم، ونعرف مدى انتمائهم إلى تراب هذا الوطن الطهور، ولا تحكمنا نزعة جاهلية ….
يجب على الشعب أن يدفع بمن يمثلوه فعلاً، لا بمن يمثلوا عليه حقيقة، بصرف النظر عن درجة القرابة في شجرة العائلة، لا نفرق في شذرتنا هذه فيمن سيكون منهم، شنٌ أم من ستكون طبقة؛ مجلس نوابنا، أم الشعب، أيُّهُم الحكيم (شَن) وأيُّهُم زوجته (طَبَقَة) لا فرق في ذلك، ففي النهاية سيشكلان بيتاً واحداً، يُطلق عليه اسم واحد؛ هو بيت (شن) بيت الشعب.
هل بالإمكان أبدع مما كان
لماذا نَلعنُ في كل دورةٍ مجالس النواب ألف مرة، ثم نتقاتل في المرة القادمة على إبراز ذات الأشخاص، ونبذل دونهم الغالي والرخيص، كي يصلوا القبة، وما أن يصلوا حتى يتناسى جُلهم عن سبق إصرار- ولمدة أربع سنوات بعد ذلك – شعبهم في غيابة الجب، الشعب الذي ارتقوا على أكتافه، شعبهم الذي أوصلهم إلى عمان، وليس إلى لبنان – البوليفارد بجانبهم لا حاجة للسفر-.
ما يزال الأمل منعقداً على إفراز- وعملية الإفراز بطيئة وخاصة في دائرة الأراضي- مجموعة جديدة ومختلفة عما مضى، رغم أن الشعبَ كلُ الشعبِ موقنون أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، عند اختيار من يمثلهم وينوب عنهم في مجلس النواب الجديد (20). نسأل الله ألا يبتلينا بأقوامٍ (نواب)، نترحم بسببهم على المجلس (19)، ونتمنى جميعاً حينها لو أن جلالة الملك قد مدد للمجلس الحالي.
اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد
تعدُ شذرتي هذه إبراءً للذمة مني، ولمن أراد منكم أن يبرئ ذمته، أثناء عملية اختيار أعضاء مجلس النواب القادم، وإن الأمل يحدوني أن يوافق شنٌ طبقة، وأرجو ألا يكون قد سبق السيف العذل، نرجو الله مستقبلاً زاهراً ومبشراً، فالمجلس اختياركم وفيه اختباركم.
يجب علينا جميعاً أن نعي بأن الأردن هو عائلتنا الكبيرة، والحقيقية، والتي يجب أن نفتديها جميعاً، وأنه بيتنا الحنون الواسع والدافئ (ماؤه وأرضه وسماؤه)، ويجب علينا أن نحافظ على مكوناته من أي تلوث، أو تلويث سياسي، أو تشريعي، أو…، أو…، وقد آن لنا أن نعرف بأننا سوف نكون محاسبين أمام الله، ربما بدرجة أكبر من أعضاء مجلس النواب أنفسهم، – إن لم يكونوا أهلاً لذلك – لأننا نحن الذين مكنَّاهُم من الوصول إلى مركز القرار، وإن في تمكين غير المؤهلين منهم أذىً لجميع مكونات المجتمع الأردني، تشريعات، وسياسات، وإدارات، حاضراً ومستقبلاً.
الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والإعلام الرقمي
E-mail:dralialqudah2@gmail.com
Mob: