طوفان الجليل فار التنور وعلى اسرائيل انتظار الأسوأ


مهدي مبارك عبدالله

=

منطقة الجليل تقع في أقصى شمال فلسطين المحتلة وتتمتع بأهمية جيوسياسية وأمنية باعتبارها اراضي حدودية واقعة على خط الاشتباك الدائم بين القوات الاسرائيلية ومقاتلو حزب الله اللبناني وبعض فصائل المقاومة الفلسطينية من قبل بدء حرب غزة الاخيرة

لا يكاد يمر أسبوع وربما يوم من دون أن يتحدث تقرير إسرائيلي جديد عن قدرات حزب الله العسكرية المتنامية وعن استعداداته لاقتحام كامل الجليل ومحاولته السيطرة على المستوطنات فيها نصف السكان في الجليل عرب مسلمين ودروز ومسيحيّين مع أقلية شركسية والباقي خليط من قطعان المستوطنين ومع تسارع الاحداث سخونة السؤال الذي يطرح ويطرحه كثيرون هل حزب الله يَنوي القيام باحتلال الجليل في أي حرب مقبلة وهل هو قادر فعلا على ذلك ؟

لاحظنا في الايام القليلة الماضية ظهور نبرة عالية جدًا للأمين العام لحزب الله اللبناني سماحة السيد حسن نصر الله سببها استشعاره الراسخ بأن التهديدات الإسرائيلية منذ 9 أشهر باجتياح لبنان باتت جدية ومقنعة على الأرض وهو ما دفعه ان يعلن في خطابه الاخير بان جزء من خطته في المعركة القادمة هو ( الدخول إلى الجليل ) وان ذلك سيتقرر وفق مجريات الحرب وان مقاتلو الحزب جاهزون اذا فرضت المواجهة على لبنان وهم منذ سنوات يمتلكون القدرة على تنفيذ هذه العملية والخيارات مطروحة على الطاولة بكل عقلانية وحكمة وشجاعة باللجوء إلى استخدام كل عناصر القوة حيث يمتلك الحزب عددً كبيرً من المسيرات الحديثة والصواريخ الدقيقة والمقاتلين المتأهبين لخوض المعركة والمنتشرين بشكل واسع على طول الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة في العديد من المخابئ والخنادق والأنفاق والمعسكرات

بعد عام 2006 بدأ القائد العسكري البارز في حزب الله آنذاك عماد مغنية العمل على تجهيز فرقة عسكرية برية نوعية تكون مهمتها الرئيسية التسلل الى منطقة الجليل سُميت في البداية بالوحدة 125 ثم قوة التدخل السريع ووحدة التدخل وكان من المفترض أن تحمل اسم القوة الخاصة وفي نهاية المطاف حملت اسم الرضوان تخليدًا لذكرى القائد مغمية الملقب ( بالحاج رضوان ) والذي اغتيل في العاصمة السورية عام 2008 في ظروف غامضة حيث نُسب الهجوم حينه إلى الموساد الاسرائيلي

فرقة الرضوان تعتبر وحدة كوماندوس متطورة يبلغ تعدادها نحو 2500 مقاتل في حين يرتفع هذا الرقم إلى 10.000 وفقا لإعلام حزب الله وتضم مقاتلين أشداء من قوات النخبة يعرفون الأرض جيدًا ويحملون أسلحة هجومية حديثة جدًا فردية ومضادة للدروع ولديهم عقيدة قتالية صلبة ويستخدمون وسائل تكنولوجيًة عالية الجودة وهي اقرب الى جيش نظامي وعناصرها من حيث التدريب والتنظيم يشبهون وحدات القوات الخاصة الإسرائيلية ( أيغور ) فيما يعتبرها آخرون شبيهةً إلى حَدٍّ كبير بالقوّات الخاصّة الروسيّة ( سبيتسنار ) لذلك تشكل هذه الفرقة قلقاً متواصل لدى الإسرائيليين تحديدا سكان منطقة الشمال

المهمة الرئيسية لهذه الفرقة هي التسلّل إلى إسرائيل مع إيلاء اهتمام خاص بالجليل سواء الشرقي أو الغربي أو إصبع الجليل في الشمال تلبية للنداءً الذي أطلقه أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله في شباط عام 2011 حين خاطب كوادرها ( كونوا مستعدين ليومٍ إذا فُرضت فيه الحرب على لبنان قد تطلب منكم قيادة المقاومة السيطرة على الجليل ) والقيام بعمليات خطف واعتقال وقتل وتحصن وإغلاق للمفترقات

من اجل تنفيذ مهمة فرقة الرضوان جهز حزب الله كافة اللوازم اللوجستيّة والخطط والسيناريوهات المطلوبة حيث اعد المفاجآت التي لن يتوقعها الاسرائيليون والتي لا تتعلق بتجهيز العناصر فقط بل ايضا بطريقة التمويه والدخول من تحت الأرض وفوقها وكافة عناصر الرضوان ينتظرون بفارغ الصبر ساعة قيام الحرب شالاملة لتنفيذ كل ما تدربوا عليه منذ عام 2007 حتى اليوم في المقابل فان الخوف والقلق لم يتبدد ولا زال يساور عقول الإسرائيليين بان تقوم عناصر الحزب بمباغتتهم بهجوم مماثل إلى داخل الجليل وتكرار سيناريو 7 تشرين الأول 2023 حين قامت المقاومة الفلسطينية باقتحام محيط قطاع غزّة في عمليّة طوفان الأقصى

في الأول من كانون الثاني 2023 نشرت وحدة المعلومات القتالية التابعة لحزب الله فيديو يحاكي تسلل مقاتلي فرقة الرضوان إلى الأراضي الإسرائيلية عن طريق تفجير جزء من الجدار الإسمنتي وبعد دخولهم يخوضون معركة بالأسلحة النارية للسيطرة على المنطقة كما نشر الحزب فيديو آخر لمناورة بالذخيرة الحية لفرقة الرضوان جرت في بعض القرى الجنوبية تحاكي اقتحام داخل إسرائيل وقد تخلّلها عرض عسكري ومحاكاة لهجمات تستهدف العمق الإسرائيلي عبر طائرة مسيرة أو اقتحام وقد أعقب بث المقطع المصور آنذاك تحذير رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية هرتسي هاليفي مسؤولي المخابرات بان فرقة الرضوان تشكل تهديدًا وتحديًا واضحًا وفوريًا لإسرائيل حيث يمكنها مهاجمة إسرائيل في أي لحظة وإن هجمات الجيش الإسرائيلي المتتالية لم تؤثر على قدراتها وجاهزيتها للحرب سواء في حالة وقف إطلاق النار في غزة أو اذا ما توسعت الحرب نحو لبنان

اسرائيل بكل تأكيد تخشى إشعالِ فتيل المواجهة في الجبهة الشماليّة مع حزب الله لكن من الواضح أن المواجهات تتجه إلى الدخول في مرحلة جديدة ومختلفة تماماً عنوانها الأساسي التوسع ورفع السقوف ووضع كافة الاخطار التي تحدق بإسرائيل في الشمال على طاولة القرار سيما في ظل وجود 100000 ألف مقاتل ووحدات عسكرية خاصة لدى حزب الله اللبناني والتي شهدت تطورً ملحوظً على مدار 17 عام فضلًا عن ترسانة صواريخ تقدر بنحو 200 ألف قطعة مداها الأقصى يصل إلى نحو 700 كيلومتر والعديد من المسيرات الانتحارية والصواريخ المضادة للطائرات والسفن والدبابات والتخطيط ً لهجوم معاكس لعناصر الرضوان يجد جيش الاحتلال نفسه فيه مضطراً لخوض المواجهة في الشمال الاسرائيلي بدل الجنوب اللبناني دون ان يستطيع تحمل النتائج المفاجئة وقد نرى راية حزب الله بلونيها الاخضر والاصفر تُرفْرِف فوق روابي الجليل باذن الله تعالى

الثابت والموثق وفقا للمعلومات والتحليلات المتواترة انه اذا ما أقدمت تل أبيب على اي حماقة عسكرية ضد لبنان فلن تخوض عناصر الحزب هذه المرة حرب دفاعية تقليدية عن القرى والبلدات الجنوبية بل ستعمد الى دخول شمال اسرائيل واحتلاله وفقا للوقائع والخطط التي أعد لها وهو السيناريو الأخطر بالنسبة لنتنياهو ولهذا فان واشنطن وتل ابيب تطلبان من خلال المبادرة الأميركية التي يقودها المبعوث الرئاسي هوكشتاين بانسحاب وحدة الرضوان الى خارج نطاق الصواريخ المضادة للدبابات لإنهاء التوتر على الحدود اللبنانية الا ان حزب الله يربط كل ذللك بوقف القتال في قطاع غزة

الخاصية الاساسية لهذه الوحدة التي تخشاها إسرائيل تكمن في مستوى تدريبها المتقدم على يد وحدة ( الصابرين ) وهي كتيبة في فيلق القدس الإيراني حيث ان جودة تدريبهم أعلى بكثير من تلك التي يحصل عليها أي مقاتل عادي في الحزب وما يمكن أن نُضيفه في هذا الشأن انه تم مؤخرا تشكيل كتيبة فِلسطينية مكونة من عناصر قتالية نخبوية منتقاة من بعض فصائل المُقاومة الموجودة في سورية ولبنان والضفّة والقِطاع تحمل اسم ( أحرار الجليل ) جري تدريبها وتسليحها على أعلى المُستويات لتكون رديف و داعمة لفرقة الرضوان في تنفيذ مهمتها في شمال فلسطين بعدما حقق حزب الله عدة إنجازات على صعيد كي الوعي الاسرائيلي بإجلاء 70000 اسرائيليّ عن بيوتهم على طول الحدود الشمالية وايقاع إصابات بالغة بين المواطنين ودمار كبير في البلدات الاسرائيلية الحدودية جراء القصف المتواصل بالصواريخ والمسيرات الانقضاضية

الشمال الإسرائيلي باعتراف قادة تل أبيب انفسهم يات منطقة أشباحٍ تتعرض يوميًا لقصفٍ صاروخي من قبل حزب الله فيما أعلنت حكومة نتنياهو أنّه لا يوجد أيّ موعدٍ محددٍ لإعادة عشرات آلاف المهجرين الإسرائيليين من الشمال إلى ديارهم الأمر الذي يراه العديد من المحلِّلين والخبراء والمختّصين في تل أبيب بأنّه بمثابة نصرٍ استراتيجي غير معلن للتنظيم اللبناني

في ذات السياق فان عموم سكان بلدات الشمال اصبحوا يعيشون داخل الملاجئ ويستيقظون بشكل شبه يومي على وقع صفارات الإنذار وأصوات المتفجرات ومعظم المستوطنات اليهودية التي تبعد في أقصى حد 15 كيلومتراً من الحدود الشمالية باتت فارغة من السكان ( مدن أشباح ) ولم تعد تلك المنطقة الممتدة من الجليل الغربي الى الجليل الأعلى وحتى الجولان ذخيرة إسرائيل الاستراتيجية التي استثمرت فيها على مدار 20 عام الأخيرة عشرات مليارات الدولارات من أجل إسكانها بالمستوطنين حيث منحتهم الهبات المالية والإغراءات المادية في العمل والتملك أما المدن التي يسكنها فلسطينيو 48 باستثناء عرب العرامشة فقد رفضوا تركها على الرغم من تعرضها بصورة مستمرة لإصابات الطائرات المسيرة والصواريخ واغلب المستوطنين في الشمال لا يعولون كثيراً لا على الأميركيين ولا الإسرائيليين ويقولون ان وعودهم لم تتوقف غير أن حالنا متوقف وان حكومة نتنياهو فشلت في تحقيق هدفها الأهم بفرض واقعٍ أمني يسمح بعودة المهجرين منذ أكثر من تسعة أشهر إلى منازلهم وكافة العمليات العسكريّة الدقيقة لازالت قاصرة عن ابعاد خطر عناصر حزب الله

التقديرات العسكرية المنقولة تؤكد أن قوات الرضوان إذا ما قررت التسلل مشياً على الأقدام إلى المستوطنات التي تبعد خمسة كيلومترات من الحدود يمكنها الوصول إليها في غضون ثماني دقائق أما إذا قررت أن تعيد سيناريو السابع من أكتوبر عند الحدود الشمالية والدخول عبر طائرات شراعية فالأمر لن يستغرق إلا ثواني معدودة لمداهمة المباني والبيوت والمؤسسات وتدميرها واسر او قتل من فيها والشعور السائد بين الإسرائيليين أن جيشهم لن يستطيع الحرب فى أكثر من جبهة وهو منهك ومضطرب ومعداته والياته نصفها معطوب ومدمر وهو ما يؤكده قادة كبار من الفرق الأمامية في الجيش الإسرائيلي وانه لو قام حزب الله فعلا بشنّ هجومٍ على المستوطنات الحدوديّة واحتل الجليل فإن الضرر سيكون أكبر بكثير مما سببه اجتياح السابع من أكتوبر الذي نفّذته حركة حماس هلى مستوطنات غلاف غزة

في السياق نفسه ولإثبات واقع الرعب والهلع والقلق وانتظار المجهول الذي يعتري حياة المستوطنين في شمال اسرائيل نضع امامكم الخطوة لاستثنائية التي قام بها رئيس مستوطنة ” مرجليوت ” إيتان دفيدي منذ أسابيع قليلة فبعد سقوط ثلاثة صواريخ مباشرة على المستوطنة من لبنان من دون إمكانية التصدي لها ثار غضبه وطرد جنود الجيش من المستوطنة وأغلق بوابتها الرئيسة واعلن رغبته بانفصال مستوطنته عن إسرائيل وقد هدد رؤساء بلدات آخرون بفعل الشيء نفسه في اول سابقة تحدث بتاريخ إسرائيل تدل على التخبط والاختلاف قبل السقوط والهزيمة

الجيش الإسرائيلي ينظر بجدية كبيرة لهذا السيناريو المتوقع من مقاتلو فرقة الرضوان بالتوغل في منطقة الجليل ولذلك أجرى سلسلة عمليات تدريب وتأهب بينها إخلاء بلدات في المناطق الحدودية حتى يمنع خطف رهائن كما شكل وحدة خاصة للتدخل السريع لمجابهة فرقة الرضوان قبل حشد قوات الجيش عرفت باسم ” دفوراه ” أي النخلة تتألف من بضع مئات من الجنود من قوات الاحتياط وغالبيتهم من المسرحين من وحدات خاصة وقوات مشاة وجميعهم من سكان الجليل وتخضع هذه الوحدة اداريا للفرقة العسكرية 91 المكلفة اليوم بحماية الحدود مع لبنان

بقراءة تحليلية معمقة للأحداث يبدو لنا ان اسرائيل لم تكن لديها أي نية او رغبة حقيقية خلال الأشهر الثمانية الأولى من الحرب في قطاع غزة التورط في حرب برية أخرى في لبنان وخاصة وانه من الصعب عليها شن حرب على جبهتي غزة وجنوب لبنان في آن واحد ووفق الواقع الميداني وتحضيرات حزب الله لاي عدوان محتمل لن تستطيع اسرائيل اعادة لبنان إلى العصر الحجري ولن تغزو جنوبه حتى نهر الليطاني كما كانتتدعي دائما بل سيقتصر الأمر على مناورة برية محدودة لن تتغلغل فيها القوات الإسرائيلية سوى بضعة كيلومترات والهدف من لك إخبار سكان الشمال بأن التهديد بشن هجوم بري عبر الحدود مثل ذلك الهجوم الذي شنته حماس على جنوب إسرائيل في 7 أكتوبر قد زال وعليهم العودة إلى ديارهم

أياً كانت السمات العامة لطوفان الجليل المقبل فان جميع الوقائع لى الارض تشير بوضوح ودلالة بانه ليست هناك خيارات أمام إسرائيل في الشمال سوى خيار واحد وهو انسحاب أحادي الجانب من غزة مع الإعلان أن الحرب ضد حماس سوف تستمر مع الاحتفاظ بحق العودة إلى القطاع كلما رأت إسرائيل ذلك مناسب واذا ما تحقق هذا الخيار سيكون أبعد ما يكون عن ( نصر تام ) لكنه لا يعد على الأقل ( هزيمة ) لان أي حرب شاملة في لبنان ستعرّض إسرائيل لهزيمة كاملة

ختاما نقول لمن قد يتهمنا بالمُبالغة والتعلّق بحبالِ الوهم حول قدرة فرقة الرضوان في العبور الى الجليل بان ( لسعات الدبابير الصغيرة والكثيرة هي التي تقتل الوحوش الضارية الكبيرة ) ومن هذا الايمان والفهم نتمنى ان يطول العمر بنا لنرى هذا اليوم السعيد الذي يتحرر فيه اول شير من ارض الجليل على يد المجاهدين من فرقة الرضوان ليكون يوما عظيما وانتصارا كبيرا للعرب والمسلمين وبنفس الوقت هزيمة كبرى للصهاينة وصدمة صاعقة الامريكان والبريطانيين وحلفائهم من اعراب الردة وليخسأ الخاسئون والنصر والعزة للأشراف والمجد والخلود للشهداء

كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.