ظاهرة فشل الحكومات
الدكتور رشيد عبّاس
بقلم / الدكتور: رشيد عبّاس
منذُ عدة سنوات كنتُ وما زلت أتساءل, أتساءل عن أسباب فشل الحكومات المتعاقبة, ومن يتتبع كيف تخرج الحكومات الأردنية سيكتشف أن الحكومات تخرج من باب ليس الباب الذي دخلت منه, وهذه قضية في منتهى الخطورة, وهذا المشهد المقلق للحكومات الداخلة والخارجة يترتب عليه تراكمات وأزمات من الصعب بمكان حلحلتها حتى لو وضعنا بين يديّ اية حكومة قادمة أكبر ميزانية لأكبر دولة في العالم, المسألة أكبر بكثير من أن كل دول العالم تبدّل حكوماتها, أو أن كل دول العالم تُجري تعديل على حكوماتها, المسألة تكمن في الباب الذي تدخل منه الحكومة والباب الذي تخرج منه الحكومة, ومدى المسائلة والملاحقة القانونية لها فيما بعد,..كيف لا وبعض الحكومات أضافت تحد آخر للتحديات الموجودة أصلاً, والأمثلة لدينا للأسف الشديد كثيرة وكثيرة جداً.
صحيفة الاندبندنت البريطانية وضعت وبعد دراسة مطوّلة لها حالة أنجح وأفشل عشر حكومات في العالم وهي معلنة ولا داعي لذكرها هنا, حيث توصلت هذه الدراسة إلى عدة معايير لنجاح أو فشل أية حكومة وكان من أبرزها: عبء الإدارة، وشفافية السياسات, والتبذير في الإنفاق, وهنا اسمحوا لي أن أتوقف على أبرز سبب لنجاح أو فشل أية حكومة والمتعلق بعبء الادارة أو ما يسمى بإدارة التحديات, بمعنى كيف يدير أعضاء وفريق الحكومة تحديات الدولة؟ سؤال يجب أن (ننحتهُ) على مدخل رئاسة الوزراء, ونضع له أقوى الإضاءات ليلاً ومن جميع الجهات والزوايا كي يبقى مقروءاً وللجميع ليل نهار.
قد يضع البعض اللوّم على الدولة في اختيار رئيس الوزراء, أقول هنا لا والف لا, الدولة هي من توّجه السفينة فقط وقد قامت وتقوم بذلك, ورئيس الحكومة وفريقه هم من يديروا كفاءة السفينة ومواجهتها للرياح والأمطار والأمواج, وإصلاح اية أعطال تواجههم في الرحلة مها طالت ولم يقوموا بذلك, فالإدارة تكون للحكومة, والتوجّه والوجهة تكون للدولة, وإذا ما اختلطت الامور في هذه المعادلة ستبدأ عندها الإخفاقات وقذف الاتهامات ورمي الحجج من جهة إلى اخرى ويضيع الجوهر وتخرج الحكومة وأعضاءها من باب آخر ليس الباب الذي دخلت منه, ومن هنا لا بد من الاعتماد عند اختيار أعضاء الفريق الحكومي على السيرة الذاتية لقدرة الاشخاص على إدارة التحديات أكثر من الاعتماد على السيرة الذاتية للمؤهلات العلمية لهم.
نعم صحيفة الاندبندنت البريطانية أكّدت على أن أقوى عشر حكومات, وأضعف عشر حكومات في العالم, كان المعيار الأول في ذلك يتعلق في مدى قدرة الحكومة وفريقها على إدارة التحديات وليس على حمل المؤهلات, فالمؤهلات العلمية كما تؤكد كثير من الدراسات ضرورة فقط داخل قاعة المحاضرات, في حين أن القدرة على إدارة التحديات ضرورة على ارض الواقع وفي ميادين العمل, ولعل لنا في قصة الطبيب المشهورة عبرة.. القصة تقول: أكبر وأشهر محاضر جامعي في العالم هو طبيب عيون دون ذكر اسمه وبلده, هذا الطبيب عجز يوما من الأيام عن نزع نقطة دم صغيرة من قرنية عين احد المرضى..! مشكلتنا في الحكومات الأردنية المتعاقبة وفريقها يمثلها حالة هذا الطبيب, حيث تكمن في الفجوة الكبيرة ما بين النظرية والتطبيق, أي ما بين القدرة على إدارة التحديات وبين حمل المؤهلات العلمية.
الحكومات الأردنية فشلت وتفشلت على أرض الواقع وبالذات في إدارة التحديات التي تواجهها, وهنا أتساءل أين تقع المشكلة, وكيف يمكن التغلب على مثل هذه المشكلة, وهنا لابد من تغيير النهج عند اختيار أعضاء الفريق الحكومي والذي يعتمد فقط على السير الذاتية للمؤهلات العلمية دون الاعتماد على السير الذاتية في القدرة على إدارة التحديات, وإلا ستبقى الحكومات القادمة تُسجّل مزيد من صفحات الفشل.
نعم, لنا في قصة الطبيب السابقة عبرة ودروس, كيف لا وإدارة التحديات هي الأساس الأول في نجاح الحكومات,..وأؤكد هنا أن الدولة تتحرك على أتم وجه, لكن الحكومات تعجزت تماماً عن إدارة التحديات على أرض الواقع, ومن هنا يجب أن يبدأ المشوار.