عدي التميمي الأسد الثائر الذي غادر عرينه
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم /مهدي مبارك عبد الله
بعد نحو 12 يوم من فشل جيش الاحتلال في القبض عليه رغم كل ما يملك من إمكانيات بشرية ومعدات تقنية كسر الحصار وخرج الأسد الثائر المطارد رقم 1 عدي التميمي من عرينه ليواجه جنود الاحتلال بشجاعة متناهية حيث بقي يقاتل مقبلا غير مدبر حتى اخر رمق ورصاصة في بطولة نادرة نشرها الإسرائيليون في مقاطع فيديو للتفاخر بقتله بوابل من النيران
الا ان ذلك تحول على ارض الواقع الى توثيق حي وتأكيد صادق وتشريف متميز لتجسيد بطولته التي سيخلدها التاريخ في انقى صفحاته بعدما سيطر الخوف والهلع والترقب على عقول وقلوب جنود الاحتلال وقطعان مستوطنيه وبما اربك وعطل مسيرة حياتهم وتنقلاتهم وقلب موازين ونمط حياتهم ( الشهيد التميمي صاحب الارض وهم عابرون ) وهو الذي قرر متى وكيف تنتهي المعركة وبالطريقة البطولية التي لم يتوقعها المحتلون
ليلة الأربعاء الماضية 19 / 10 / 2022 ارتقى المقدسي البطل عدي التميمي شهيدا خلال اشتباكه المباشر مع قوات الاحتلال على مدخل مستوطنة معاليه أدوميم شرق مدينة القدس المحتلة والذي أصاب فيه حارس مستوطنة بجراح بعد 12 يوم من عمليته الأولى على حاجز شعفاط التي نفذها من نقطة صفر وأدت إلى مقتل مجندة وإصابة آخرين حيث انسحب عقبها بسلام وقد عجزت قوات الاحتلال في اعتقاله رغم اقتحامها المخيم وحصاره ومداهمة عشرات المنازل فيه بحثا عن ( الحليق المقاوم ) وتضامنا معه أقدم عشرات الشبان على حلق رؤوسهم وتكرار اسم عدي لتمويه و تضليل جنود الاحتلال حقا لقد هزمهم عدي البطل في الأولى وفاز بالشهادة في الثانية دون أن يعطي الصهاينة امتياز إلقاء القبض عليه
المشهد اللافت لاشتباك واستشهاد التميمي مع قوات الاحتلال شكل أسطورة ثورية رسمت واقع الجيل الفلسطيني القادم الذي سيدافع عن أرضه ومقدساته أمام إجرام المحتل الإسرائيلي والذي سيعتبر التميمي نموذجا متجددا للبطولة والمقاومة المشرفة لأبناء الشعب الفلسطيني في مقارعة واستنزاف الاحتلال حتى كنسه عن أرض فلسطين التي في كل يوم تتعدد فيها أسماء الأبطال وتتكرر سير العظماء وتسمو حكايات أصحاب التضحيات ويتوالد من رحمها الشباب الثائر القادر على ضرب عمق المحتل وتغير المعادلات الميدانية في الضفة الغربية ومدينة القدس
لن ينسى كيان الاحتلال حالة الرعب والفزع التي صنعها البطل التميمي أسد القدس وفلسطين في نفوس الصهاينة بشجاعته واقدامه والتي ستبقى حدثا نوعيا وعلامة سوداء في تاريخه الأمني ككابوس مرعب يلاحق جنود الاحتلال في مركباتهم وعلى الحواجز العسكرية وكذلك قطعان المستوطنين في منازلهم وتنقلاتهم خاصة بعد تمكن عدي من الاختباء عشرة أيام في منطقة خاضعة للأمن الإسرائيلي بالكامل فهذا بحد ذاته كان إعجاز حقيقي وضربة موجعة لكل منظومة الأمن الإسرائيلية المضطربة
في الضفة الغربية ومدينة القدس المحتلة كل يوم يقع شهيد او يسقط أسير او جريح ومنذ شهور بدأتا انتفاضة حقيقة بكل أبعادها لتعزيز المقاومة وثأرا لاقتحام وتدنيس المقدسات ووفاءا لدماء الشهداء وردا على الاعتداءات المتكررة على حرائر فلسطين في مدينة القدس وغيرها وهو ما يثبت ان رصاصات الشهيد التميمي ما هي الا امتداد لصواريخ المقاومة في مواجهة عدو إرهابي ظالم لا يفهم إلا لغة المقاومة والجهاد التي اتقنها الشهيد البطل عدي التميمي وتفنن فيها بكل تضحية و بسالة وثبات
الشعب الفلسطيني في مواجهاته اليومية للتحديات والمخاطر التي تتعرض لها قضيته العادلة يزداد قوة وتماسه ووحدة والتفاف حول المقاومة التي تجلت ابها صورها في معركتي سيف القدس ووحدة الساحات كسبيل وحيد لتحقيق الانتصار في معركة التحرير والعودة إلى كل فلسطين التاريخية من نهرها إلى بحرها وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها الأبدية القدس الشريف في ظل استعداده العلني للقيام بانتفاضة أخرى يكون لها معالم جديدة
الشهيد المقاوم والمِقدام والمشتبك عدي التميمي ابن مخيم شعفاط الذي لمع اسمه في سماء القدس وانتشر ذكره داخل أزقتها وعلى عتبات أسوارها بعدما صنع بشجاعته الخالدة وملحمته الفدائية ايقونة المقاومة الباسلة التي أذلت كيان الاحتلال وأذاقته الخزي والعار والهزيمة ومرغت وجهه في وحل المخيم مهما تفاخر بوهم إنجازه في تصفيته والقضاء عليه لأنه في الحقيقة لم يكن ( مطارَدًا بل مطارِدا لهم ) في كل القدس المحتلة حتى استشهاده
لقد سطر المجاهد التميمي بعد عمليته الأولى والثانية صفحة مشرقة من صفحات النضال الفلسطيني في تاريخ المقاومة العتيدة حينما جعل حكومة الاحتلال تقف عاجزة امام عدة أسئلة كبيرة ومحرجة يتوجب على الأمن الإسرائيلي الإجابة عليها على رأسها كيف استطاع أن يختفي طوال هذه المدة في مكان غير الذي كانت تعتقد قوات الاحتلال أنها تحاصره فيه وكيف استطاع التخفي والتمويه والمراوغة وكيف نجح في الهروب من القوات التي لاحقته وكيف خرج من مخبئه السري ووصل إلى مدخل مستوطنة معاليه أدوميم ومفاجأة حراس المستوطنة وتنفيذ عملية أخرى قبل تصفيته وهل حصل على مساعدة من الأهالي خلال فترة مطاردته
الأمر الأهم إن عمليته الأولى في شعفاط أدت الى مشكلة أمنية كبيرة لدى استخبارات الاحتلال حيث قامت على إثرها بتشكيل لجان تحقيق لحالة الصدمة الذهنية التي أصابت الجنود على الحاجز العسكري وكذلك تغير قناعات ورؤية المستوطنين عقب تصاعد العمليات حيث باتوا ينظرون للجندي الإسرائيلي على أنه جبان وضعيف ولا يستطيع حماية نفسه فكيف سيوفر الحماية لهم في المستوطنات المحاذية للمدن الفلسطينية والتي يتربض بها المقاومون ليل نهار
وصية الشهيد التميمي التي كتبها على قصاصة ورقية أثناء مطاردته عقب تنفيذه عملية حاجز شعفاط والتي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم لما حملته من معاني سامية وعظيمة حيث قال فيها ( أعلم أني سأستشهد عاجلا أم آجلا وأعلم أنني لم أحرر فلسطين بالعملية ولكن نفذتها وأنا أضع هدفاً أمامي أن تحرك العملية مئات الشبان ليحملوا البنادق من بعدي ) حيث كان لها ابلغ الأثر المعنوي في أذهان وقلوب ذويه ورفاقه ومحبيه والشرفاء والاحرار في العالم اجمع
معلوم جيدا لدى العديد من المتابعين والمختصين ان مثل هذه الوصايا تبقى حاضرة وراسخة في عقول وقلوب أبناء الشعب الفلسطيني يستلهمون منها معاني الوفاء والتضحية والفداء لإكمال مسيرة التحرير والعودة كما انها تشكل الدافع القوي في نفوس الشباب الثائر الذي يقارع جنود الاحتلال على امتداد مخيمات ومدن وقرى الضفة الغربية ومدينة القدس للقيام بعمليات مماثلة وان هذه الوصية وغيرها مما سبق كانت على الدوام تعتبر مصدر قلقل لكيان الاحتلال باعتبارها الدافع والحافز لمواصلة الجهاد والقتال ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي جيل بعد جيل
بكل تأكيد سيخلف عدي المئات من أمثاله من الشباب الفلسطيني الثائر وسوف يترجمون وصيته الى واقعً عمليً بالسير على طريق المقاومة حتى الشهادة أو النصر وجعل البنادق لا تتوقف وهي تمطر جنود الاحتلال بالنار واللظى وهم يعتبرون أنفسهم شهداء على قائمة الانتظار يذكر ان ( اول وصية مصورة سجلها الاستشهادي القسامي صالح عبد الرحيم صوي تشرين الأول 1994 قبيل تنفيذه عملية استشهاديَة ) واخرها كانت وصية الشهيد عدي التميمي
تحية إجلال وإكبار وعزة ة ومجد ورفعة لجماهير الشعب الفلسطيني ومقاوميه البواسل وشهدائه الأبرار وأسراه وجرحاه الأبطال وتحية خاصة للشهيد الفدائي الثائر عدي التميمي الذي أصبح نموذج يحتذى به في الجهاد والمقاومة والتحدي والثبات بعدما لقن الاحتلال بأبسط الأسلحة واقل الرصاص اقسى الدروس واكبر العبر بفخرٍ واعتزاز حيث استطاع لوحده كسر هيبة منظومته الأمنية وهو يدعي أنه يمتلك أقوى جهاز مخابرات في العالم واكثر الجيوش عدة وعتاد واستعداد
اننا اذ نفتخر اليوم ونعتز بهذا العمل الكفاحي البطولي الذي يؤكد أن الشعب الفلسطيني لا يخشى الموت بل يعشق الشهادة في سبيل الله وبغية تحرير ارضه ومقدساته من دنس الاحتلال والذي تجلى في هذه العملية البطولية التي ضربت أروع الأمثلة بالتضحية والفداء والجهاد وأننا في ذات الوقت نزهو ونتباهى بكل الملاحم البطولية التي يسطرها المقاومون في كل ارض فلسطينيين وتحديدا في معقل الثورة والثوار جنين ونابلس
الذين يخوضون الاشتباكات اليومية والمواجهات المستمرة بوحدة نضالية منظمة وتنسيق ميداني متكامل ليحققوا الانتصار لشعب فلسطين ويوقعوا الهزيمة بالكيان الغاصب ومشاريعه التوسعية ومخططاته الاجرامية وستبقى المقاومة في فلسطين الداخل وغزة والضفة مستمرة وستحقق ما يريده الشعب الفلسطيني من عزة وكرامة وحق ووطن
بعد هذه الملحمة البطولة العظيمة التي زلزلت كيان الاحتلال وكدرت صفو معيشته يحق لفلسطين وشعبها أن يفخروا ببسالته وبطولة وشجاعة ( اسد هصور ) من ابطالهم واجه وقارع ولوع قوات الاحتلال الى حدّ الوجع والقهر والذلة حيث وهو يقاتل بمسدسه والرصاص ينهمر عليه حتى آخر شهقةٍ وطلقة الى ان استشهد بكل شموخ وعزة ارعبت واذهلت اعداءه
لله درك أيها الفلسطيني الصنديد المغوار وسلاماً عليك يا صاحب الثأر المقدس وانت تتوشح بدمك الزكي وتأخذ مكانك العلي مع الخالدين من الشهداء والنبيين والصديقين والصالحين بعدما أدّيت الأمانة ورفعت القامة في دفاعك المشرف عن المقدسات والاعراض والوطن الا سلمت يمينك التي قبضت على الزناد ورحمك الله وهنيئا لك الشهادة وِطبتَ حيًا وميتًا بأذن الله تعالى
mahdimubarak@gmail.com