على انتوني بلينكن أن يكون وزيرا لخارجية إسرائيل


مهدي مبارك عبدالله

=

بادئ ذي بدء نؤكد ونؤيد كل ما ورد على لسان الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية المحلل السياسي الدكتور العلم مصطفى البرغوثي في تصريحاتٍه الصحفية المتتالية بأن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يتصرف كأنه وزير خارجية للكيان الصهيوني وهو يقود لعبة خطيرة تهدف لتبرئة إسرائيل من مسؤوليتها عن الحرب والمجازر ورفضها وعرقلتها التفاوض لوقف القتال واتهام المقاومة وإلقاء اللوم عليها بذلك وهي التي قبلت التهدئة ووافقت على قرار مجلس الامن ومقترح بايدن ودخلت في المباحثات بمرونة عالية وايجابية كبيرة ومسؤولية منضبطة

بعد تضمين مقترح بايدن بعض الملاحظات حول رفض اسرائيل الانسحاب الكامل من القطاع وهوما يثبت كذب وتضليل مزاعم بلينكن الذي يتبرع دائما ليكون الناطق الرسمي باسم دولة الاحتلال ووزير خارجيتها المتصهين ومن المهم في هذا الصدد ان نفهم جيدا بأن حركة حماس لم تخضع في ساحات القتال ولن تنحني في ميدان السياسة بقبول الضغوط الامريكية والعربية التي تمارس عليها وهي ليست مضطرة بتاتا لمراعاة هواجس بايدن الانتخابية ولا احلام بلينكن في خدمة كيانه الصهيوني المحتل وتصفية القضية الفلسطينية على غرار ما فعله ثعلب ودهقن السياسة الخارجية الامريكية هنري كيسنجر مع الفرق الكبير بين الشخصيتين والمرحلتين

منذ اليوم الاول لانطلاق معركة طوفان الأقصى المباركة في السابع من أكتوبر من العام الماضي ووزير الخارجية الامريكي بلينكن يتطوع بشغف للدفاع عن جرائم الكيان الصهيوني العنصري ويتبنى ترديد أكاذيبه ويساهم في دعمه المطلق سياسيا وعسكريًا وماليا في عدوانٍه المتواصل على قطاع غزة ضمن انحيازٍ اعمى وفج ومكشوف وبما يثبت جليا بأن أمريكا لم تعد مؤهلة لا سياسياً ولا أخلاقيا وهي تقود العدوان على غزة وتفاوض نيابة عن الكيان الغاصب أن تكون وسيطا نزيها للسلام او ضامنا محايدا لأي اتفاق او حتى مسهل للحوار باعتبارها الداعم الرئيس للحكومة الإسرائيلية الراهنة الأشد تطرفاً وعنصرية وفاشية طبقاً لتصنيفات عالمية حيث لا تضع الحدّ الأدنى من تلبية مطالب الفلسطينيين وتنتهك أبسط القرارات الدولية وتمعن في الاستيطان والعنف والاقتحامات والإعدامات الميدانية وهي ايضا شريك وراعي لقتل الأطفال والنساء والشيوخ بالسلاح الأمريكي فضلا عن تغطيتها المستمرة على المجازر الصهيونية المتواصلة في غزة والتي نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما جرى مؤخرا في رفح وجباليا والنصيرات وغيرها

خلال زيارة بلينكن التضامنية بعد عملية طوفان الاقصى المباغتة التي نفذتها المقاومة الفلسطينية وبعد اجتماعه بمجلس الحرب الإسرائيلي صرح أن زيارته تحمل رسالة مفادها أنهم ( أي الامريكان ) سيكونون دائما موجودين إلى جانب الإسرائيليين وليسوا مضطرين للدفاع عن أنفسهم بمفردهم وأن الادارة الامريكية تدرك بأن حماس لا تمثل الشعب الفلسطيني ولا تطلعاته المشروعة للعيش بحرية وأمان وهي تعمل مع إسرائيل للقضاء عليها وضمان إطلاق سراح جميع الاسرى دون قيد او شرط

هذا الواقع المشين بكل ما فيه من وقاحة وتطاول مرفوض ولم يعد يخجل الرئيس بايدن ولا مسئولو البيت الأبيض وعلى رأسهم بلينكلن حتى ان الكثير من المحللين السياسيين لم يعودوا يفرقوا بين ( وزير الخارجية الصهيوني ووزير الخارجية الأمريكي ) وهو يمارس اشغ صور النفاق والكذب في السر والعلن لخدمة ودعم اسرائيل ولم يعد سرا القول بان بلينكن اصبح يشكل أحد العقبات الرئيسية في تعطيل التوصل الى اتفاق هدنة وهو يتصرف ضمن مراوغة سياسية لاستمرار العدوان والتجويع والحصار بالتنسيق مع مجرم الحرب نتنياهو الذي يسعى للحفاظ على منصبه فوق جثث ودماء ابناء الشعب الفلسطيني وللحقيقة ولمصداقية نؤكد ان بلينكن لم يكن شجاعا ولا أمينا حينما ألقى باللوم على المقاومة الفلسطينية وهو يقول بتهكم وسخرية إننا ننتظر رد حماس منذ عشرة أيام وأنها هي العائق الوحيد أمام وقف إطلاق النار وانهاء الحرب ( كذب المنجمون ولة صدقوا )

وفي ضوء تلك المعطيات نتساءل كم هي المرات التي اطلق فيها بلينكن تصريحاته الحمقاء وغير المدروسة والمستفزة بتهديد المقاومة والتي فاق فيها بهذيانه وهستيريته عناة الصهاينة أنفسهم خاصة تلك المتعلقة باجتياح رفح ورد المقاومة الاخير على مقترح الرئيس بايدن حيث شكلت قناعة مطلقة لدى ابناء الامة واحرار العالم بأن أمريكا هي إسرائيل وان إسرائيل هي أمريكا ( وجهان لعملة واحدة ) في الاجرام والدمار والقتل والخراب وهذا ما عجل الصحوة المبكرة لحشد الرأي في الداخل والخارج ضدها

عميد الدبلوماسية الامريكية صاحب الرقم الأكبر في جولاته الإقليمية والابن البار لليهودية والصهيونية الذي يتأرجح بين هوية مزدوجة أمريكية حكومية وأخرى يهودية صهيونية كان دائما يدعو أمريكا والعالم ” المتحضر” لحمايتها وتقديم الدعم اللازم لها. وسخر كافة إمكانيات بلاده لخدمة مصالح إسرائيل وتنفيذ أجندتها ولهذا لا يتذكر ابدا مقترح باريس قبل شهور الذي تمت صياغته بحضور مدير الموساد ثم رفضه نتنياهو كما يتجاهل الاعتراف بان الورقة الإسرائيلية للهدنة تختلف في الجوهر عما اعلنه الرئيس بايدن في البداية من حيث انسحاب إسرائيل الكامل من قطاع غزة ومعبر رفح ومحور فيلادلفيا ولا تقدم أي ضمانات قاطعة بإلزام إسرائيل بعدم استئناف القتال بعد المراحل الثلاث المختلفة بالإضافة الى قضية وقف إطلاق النار الدائم والذي رحبت به حماس ورفضه نتنياهو

عملياً وفي اطار كيف لم يضع بلينكن تصريحات بن غفير وسموترتش حول إفراغ قطاع غزّة من سكانه الفلسطينيين في خانة ( اللا مسؤولية ) وكذلك ايضا لماذا تجاوز عن دعوات عضو الكنيست الليكودي داني دانون وزميله رام بن باراك ووزيرة الاستخبارات جيلا غاملييل ونتنياهو نفسه الذين دعوا علانية للتطهير العرقي لسكان قطاع غزّة تحت ستار الهجرة الطوعية بالترحيل إلى دول أجنبية صديقة اوعربية معتدلة وكيف حتى اليوم لم يسمع بلينكلن بتصريح وزير التراث الصهيوني عميحاي إلياهو عندما طلب قصف القطاع بقنبلة نووية وإبادته ولو ادى ذلك الى قتل جميع الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة كجزء من ثمن للحرب وهو ما يعكس حجم الإرهاب الصهيوني الإجرامي غير المسبوق الذي تمارسه هذه الحكومة الفاشية على شعب اعزل وفي الاتجاه الاخر يصرح بلينكن إنه لو توفرت لدى واشنطن معلومات عن موقع وجود رجال المقاومة او رئيس حركة المقاومة حماس في غزة يحيى السنوار سنمررها إلى إسرائيل

بين هذه وتلك وبدون أي مقدمات أو ادنى شك يعلم بلينكلن مسبقا ومن قبله نتنياهو والرئيس بايدن ان المقاومة تستند في موقفها التفاوضي الراسخ على قوتها العسكرية في الميدان وما أنجزته خلال 9 أشهر من الحرب الطاحنة وتكبيد إسرائيل خسائر فادحة كما تعتمد ايضا على مطالبها المشروعة لتحقيق ما يصبو إليه الشعب الفلسطيني ولو مرحليا حيث ابدت حماس الإيجابية المطلوبة للوصول إلى اتفاق شامل ومرض وهي تضع نصب عينها مصالح الشعب الفلسطيني في قطاع غزة اولا وفي المقابل كان على بلينكن وإدارة بايدن الضغط على حكومة الاحتلال الاجرامية لوقف شلال القتل والتدمير والإبادة الجماعية

للمقاربة فقط نذكركم عندما رفعت جنوب إفريقيا قضية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي قال بلينكلن حينها في مؤتمر صحفي عقد في تل أبيب ان إحالة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية المزعومة خلال حربها في غزة ( لا قيمة لها وليست صحيحة وإنها تصرف عدواني ) لغايات لفت الانتباه عن الجهود المبذولة لمعالجة الأزمة الإنسانية ومنع الحرب من الانتشار وقبلها كان قد وصف تحرك المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذ كرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بأنه قرار خاطئ للغاية ومن شأنه أن يعقد المفاوضات وطالب بإصدار عقوبات ضد المحكمة والمدعي العام كريم خان ولهذا فانه لا يذكر بلينكلن في اي مكان الا بالسوء ويوصف بالتناقض والازدواجية وعدم الموضوعية والنزاهة

في هذا المقام وبدون إكسسوارات سياسية ربما لا يكون من الواجب نسيان العبارة التي أطلقها بلينكن في أوّل زيارة له للقيطة إسرائيل بعد عملية المقاومة يوم 7 أكتوبر من العام الماضي حين أعلم الإسرائيليين والعالم بأسره أنه لا يأتي بصفته وزير خارجية الولايات المتحدة فقط ولكن أيضاً كيهودي وحفيد يهودي واممي لا اجد حاجة للدحول بتدقيق موسع في هوية بلينكن اليهودية التي تساوي بالمطلق بين ( العداء لليهود والعداء للصهيونية والعداء للسامية( ضمن تشريعات ومشاريع قوانين تعتمدها الديمقراطيات الغربية العريقة وعلى رأسها امريكا ققد صار واضحا حتى للأعمى أنه لم يعد هناك فارق يذكر بين المواقف الأمريكية والإسرائيلية فيما يتعلق بالعدوان على غزة وان وجد بعضها فهو فى الدرجة والتفاصيل وليس في المضمون والجوهر

اثناء مقابلة له مع برنامج ” كينغ تشارلز ” على شبكة سي ان ان حاول بلينكن العزف على كل الأوتار بطريقة تنطوي على تشويش واضح حين كشف ما حدث في إسرائيل يوم 7 اكتوبر وكيف اثر عليه بشكل شخصي واعاد لذاكرته الفترة العصيبة التي عاشها الشعب اليهودي كما اكد بأن زوج والدته كان أحد الناجين من محرقة الهولوكوست مع بعض الذين كانوا في المعتقلات النازية وان أحد أجداده كان من الذين لاحقتهم قوات كانت تستهدف اليهود وتقتلهم في المنطقة التي تعرف حاليا باسم أوكرانيا

الرسالة الأساسية شبه التهديدية التي حملها وزير الخارجية الأمريكي أنتونى بلينكن فى جولته الثامنة التي بدأت بالقاهرة وشملت مصر وإسرائيل والأردن وقطر كانت واضحة وضوح الشمس ومحددة باتجاه واحد وخلاصتها أنه على حكومات وقادة وشعوب المنطقة أن يضغطوا على حماس والمقاومة الفلسطينية لقبول المقترحات التي قدمها الرئيس الأمريكي جو بايدن إذا أرادوا للمذبحة الإسرائيلية أن تتوقف وان تخف معاناة الفلسطينيين فى غزة خاصة بعدما قررت امريكا علنا تبنى الرواية والموقف الإسرائيلية بالكامل ودون أي رتوش أو محاولات للتجميل كما أكد أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة بمجازره المتنوعة وقتله للأطفال والنساء وتدميره الواسع للمباني والمنشآت سوف يستمر طالما أن المقاومة الفلسطينية لا تقبل بالشروط الإسرائيلية الأمريكية التعجيزية وكأن ما فشل العدوان الإسرائيلي في تحقيقه بالقوة سوف تحاول أمريكا أن تحققه عبر الضغوطات المختلفة والمفاوضات المضللة

بمتابعتنا الدقيقة لجميع جولات بلينكن السابقة وهو ياتي متلفّع برداء العنجهية والاستكبار والقوة والجبروت ومتبخترً فوق حبال الموت التي تلفّ سكّان قطاع غزة ليعيد سرد الأكاذيب التلمودية وليذكّر دولَ المنطقة بالدم اليهودي المقدس الذي أراقته المقاومة الفلسطينية في طوفان الأقصى وهو يدعي إنه جاء لتسريع وقف إطلاق النار لكن الواقع الميداني في كل مرة كان يكشف لنا أن قوات الاحتلال الإسرائيلي وبمعرفة وموافقة بلينكلن التامة كانت تواصل ارتكاب المزيد من المجازر النوعية بحق الشعب الفلسطيني وبعدها يخرج مع بقية المسئولين الأمريكيين ليبرروا هذه المجازر ويحملوا المقاومة الفلسطينية اسبابها ويؤكدوا انه رغمًا عن الجميع فأن حرب الإبادة الجماعية ستستمر حتى تحقق أهدافها الظاهرة والباطنة

لأ ادري حقيقة بأي وجه يأتي الوزير بلينكن للمنطقة وهو يمثّل الدولة المسؤولة مباشرة عن هذه الكارثة الإنسانية التي تنام البشرية وتصحو يوميًا على جثث قتلاها وأشلائها وصراخها وعويلها ثم الم يأن الاوان لبلينكن ان يعيد حساباته وان يفكر مليا فيما قاله نشطاء منددين بالسياسة الأميركية تجاه الحرب في غزة عندما بدأ شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ حيث رددوا هتافات قاسية في وجهه منها ” يداه ملطختان بالدماء ” و” مجرم حرب ” و” جزار غزة ” و” يداك ملطختان بدماء 40 ألف فلسطيني ” وكـأنه بكل برود وبلادة لا يشاهد يوميًا تفاصيل المأساة التي تخيّم على قطاع غزة

بحيادية تامة نقول هل يحق للوزير بلينكن بعد كل هذا السرد ان يبقى يدعي بانه يمثل الدولة التي تزعم أنها تقود العالم وتحمي القيم والقوانين والمواثيق الإنسانية وتدافع عن المظلومين والضعفاء والمضطهدين وتعمل على نشر السلام وتعزيز الاستقرار وتطوير البشرية وهو ورئيسه ومعظم مسؤولو الدولة يدافعون وينحازون ويدعمون دويلة الاحتلال الصهيونية الاجرامية العنصرية التي تقتل البشر وتبيد الشجر وتدمر الحجر

الإدارة الأمريكية استخدمت الفيتو ثلاث مرات لمنع صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار ودافعت عن إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في محاولة من جانبها لنفي التهمة الموجهة إليها بارتكاب أعمال إبادة جماعية طما استعدت المحكمة الجنائية واصدرت عقوبات ظالمة عليها ولا زالت تدعم الاحتلال المعتدي سياسيا وعسكريا وماليا ودبلوماسيا ونعترف بحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها وأراضيها

لقد جاءت ملحمة وطوفان الاقصى لتسقط الاقنعة كحقيقة ساطعة للرواية الوطنية وعدالة القضية الفلسطينية في مواجهة السردية التوراتية المزورة فضلا عن ممارسات الإبادة لجيش الاحتلال ولا بد ان يعلم بلينكلن ان الحتمية التاريخية تؤكد أن مقاومة الشعب الفلسطيني الوطنية ستنتصر كما انتصرت الثورة الفيتنامية والجزائرية والجنوب افريقية والشعب الفلسطيني يسير بخطى واثقة على طريق التحرير والنصر والخلاص من نظام العنصرية والاستغلال والتطهير العرقي والإبادة الجماعية

في نهاية المطاف بقي ان اذكركم كيف انتفضت الإدارة الأميركية ولم تقعد ومعها كافة الإدارات الغربية للمجزرة الروسية في مدينة ” بوتشا ” الأوكرانية في نيسان 2022 والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين من الأوكرانيين ونحن نشهد يوميًا عشرات المجازر الاسرائيلية المنظمة التي تفوق الواحدة منها في همجيتها وضحاياها أضعاف ما حدث في بوتشا ولكن عين الظالم الامريكي الساكن في البيت الاسود عمياء وأذنه صماء لا ترى ولا تسمع إلا ما يريده وبالطريقة التي يريدها
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.