عيد الاستقلال والدبلوماسية الأردنية في ١٠٠ عام
الدكتور موفق العجلوني
–
بقلم السفير الدكتور موفق العجلوني
أستاذ العلوم السياسية وتاريخ الحضارات
المدير العام / مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
==================
عيد الاستقلال بالنسبة للأردنيين له طعم خاص ، ولان استقلال الاردن له معان سامية ودلالات كبيرة وعظيمة في نفس كل اردني و اردنية سواء كان على ارض الوطن او كان مغترباً او مهاجراً او يحمل جنسيات مزدوجة او حتى تنازل عن جنسيته لظروف اجبرته الحصول على جنسية دولة أخرى ،الا انه يبقى مرتبطاً بجذوره الأردنية و يتغنى باستقلال الاردن. وقد عشت وعايشت ودرست الاغتراب منذ عام ١٨٥٠ الى يومنا هذا حيث عشت مع الأردنيين الذين الذين غادروا الأردن طلباً للرزق الى تشيلي وأستراليا وأوروبا واميركا الشمالية واسيا وافريقيا من خلال عملي كسفير ودبلوماسي و أستاذ و محاضر جامعي في العلوم السياسية وتاريخ الحضارات ، فكانت قلوبهم معلقة بالأردن، وينتظرون يوم الاستقلال ليرفعوا الاعلام الأردنية خفاقة عالية على منازلهم و تزين صدورهم . نعم هم الأردنيون في كل بقاع الأرض في يوم الاستقلال.
عيد الاستقلال في هذا العام بالذات يأتي ونحن نحتفل بالمئوية الأولى لتأسيس الدولة. فكيف الحال اذا كان الامر يتعلق بالسفراء و الدبلوماسيون الأردنيين الذين يمثلون جلالة الملك , هذه الدلالات تسير مع الدماء في العروق ومع نبضات القلوب.
الاستقلال بالنسبة للأردنيين ، له مؤشرات و دلالات و معاني كثيرة و عديده ، انه اصل وجود الاردنيين على ثرى هذا الوطن الغالي، منذ ان جنينا ثمار هذه الشجرة المباركة والتي زرعها الملك المؤسس عبدالله الأول عام 1921 طيب الله ثراه ، وواكب على سقايتها ورعايتا وحمايتها والتضحية من اجلها الى يوم الاستقلال الإباء و الأجداد حيث اصبحت هذه النبتة الزكية المباركة المعطرة بالعطر الهاشمي المصطفوي مملكة عز وفخار احتضنت كل الاردنيين بولائهم ومحبتهم لقائدهم الملك المؤسس، والذي ضحى بروحه من اجل شرف الامة ومن اجل الدفاع عن القدس الشريف، ليتولى القيادة من بعده في ظروف صعبة جلالة الملك طلال رحمه الله ، والذي قام بإنجاز الدستور الاردني الذي نهتدي بهديه في مملكتنا العزيزة الان، وما هي الا سنوات قليلة حتى جاء الحسين الباني بسن الثامنة عشرة بريعان الشباب ليتولى قيادة الاردن في ظروف وتحديات اقليمية واقتصادية واجتماعية وسياسية غاية في التعقيد، وقد التف حوله الشعب الأردني واجتاز كل التحديات و كل الصعاب واخذ الاردن الى معارج التقدم والرقي.
كانت جنازة العصر للمرحوم جلالة الملك الحسين طيب الله ثراه الشاهد الكبير على موقع الاردن وما وصل اليه هذا البلد الصغير- محدود الموارد والامكانات، الكبير بقيادته الهاشمية وشعبة الاردني المقدام – من التقدم والرقي والاحترام الكبير على الصعيد الداخلي والاقليمي والدولي..
وشاءت الاقدار ان نفتقد الحسين الباني طيب الله ثراه. وهذه مشيئة الله ولو كان بمقدور الاردنيين افتداء الحسين لفدوه بأرواحهم ومهجهم واولادهم ولكن هذه مشيئة الله و عزاء الاردنيين ان الله قيض لهم الملك المعزز جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والذي واصل المسيرة بكل عزم وتصميم، وها هو الاردن بقيادته وما وصل اليه من تقدم ورقي وامان واستقرار رغم الظروف التي تحيط بالأردن والتحديات التي تواجهها المنطقة.
نعم هذا هو الاستقلال، بكل معاني الانجاز في السياسة الدولية والدبلوماسية والتنمية الشاملة سياسياُ واقتصادياُ واجتماعياُ واكاديمياُ وطبياُ وعلمياً, وان ما يحظى به الاردن من احترام دولي على مستوى الدول والقيادات لدليل ثابت ان هذه المعطيات نابعة من قيادة هاشمية حكيمة قادت الاردن بمراحل الاستقلال الى بر الامان رغم التحديات الكبيرة التي مر بها والنكبات التي مرت بها المنطقة.
نعم استطاع الاردن بقيادته الهاشمية و الشعب الأردني خلف هذه القيادة من تجاوز كافة هذه التحديات و الصعاب واثبت للعالم اجمع ان الاردن قوي بقيادته ، قوي بشعبه، قوي بجيشه العربي، قوي بأجهزته الامنية، قوي بنسيجه الاجتماعي، قوي بعيشه المشترك والوئام والتأخي والمحبة والعشرة والوطنية والولاء، قوي بمواقفه الثابتة، باعتداله, برسالة عمان وبكلمة سواء، بتواصله مع اشقائه، وبتواصله مع اصدقائه، حتى اصبح الاردن محجاُ ومزاراُ ومركز جذب سياحي واقتصادي وموئل امان ضمن منطقة مشتعلة، يلجأ اليه الجار والقريب والصديق عندما تلم بهم المصائب والنزاعات و الحروب، حيث بات الاردن بمحدودية موارده وامكاناته وصغر مساحته القلب الحاني والبيت الدافئ والمقر الدائم للأشقاء والاصدقاء في افراحهم و اتراحهم.
نعم هذا هو الأردن بسياسته الحكيمة و دبلوماسيته الثابتة ، و بمواقفه العروبية الاصيلة و انتمائه لعقيدته الإسلامية السمحة و سمعته الدولية و التي يشهد لها المجتمع الدولي و العالم اجمع ، و ما يقوم به الأردن من دعم للقضية الفلسطينية من اجل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية و الرعاية الهاشمية للمقدسات الاسلامية والمسيحية ، و في دعم الامن والسلم العالمي من خلال مشاركة قواتنا المسلحة الأردنية مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة واقامة المستشفيات في غزة و الدول العربية الشقيقة والصديقة .
ولا يسعني في هذه المناسبة الوطنية الغالية على قلوب الأردنيين جميعاً ، ومن خلال المواقع التي شغلتها في مسيرتي الدبلوماسية منذ عام ١٩٨٢ الا ان اعرج على دور سفاراتنا و دبلوماسيينا و سفرائنا ، ان مناسبة عيد الاستقلال مناسبة فرح كبيرة ينتظرها السفراء والدبلوماسيون لتكون مناسبة فرح اردني غامر يدعى اليها اصدقاء واحبة الاردن وكافة افراد الجاليات الاردنية، اضافة الى الوزراء والسفراء وكبار المسؤولين من اعيان ونواب ورجال اعمال وشخصيات واصدقاء الاردن، ويتم اثناء هذا الحفل عرض عن تاريخ الاستقلال والانجازات الكبيرة التي حققها الاردن بفضل القيادة الهاشمية الحكيمة.
ومما يميز هذه المناسبات، ان حفل عيد الاستقلال الذي تقيمه سفاراتنا في الخارج يغص بالمدعوين، وهذا دليل على المحبة والتقدير والاحترام الذي يحظى به الاردن والنابع بالدرجة الاولى من التقدير الكبير والاعجاب بقيادته الهاشمية وبالحكمة وبعد النظر الذي تتمتع به هذه القيادة والتواصل الدائم بين القيادة والشعب والتطلع لهذا البلد الذي أصبح واحة أمن وآمان واستقرار ضمن اقليم مضطرب.
السفراء والدبلوماسيون الاردنيون سواء في الداخل او الخارج هم ابناء هذا الوطن، لا بل جنود مخلصون يدافعون عن الوطن بدبلوماسيتهم التي استقوها من قيادتهم الحكيمة الملهمة، وهم دائماُ يقتدون بجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين في دبلوماسيتهم وفي توجهاتهم وفي مسيرتهم والهامهم وفي السهر على مصالح الاردن العليا والدفاع عن قضايانا العربية المصيرية وفي كافة المحافل الدولية.
السفراء الاردنيون و الدبلوماسيون و كافة موظفي وزارة الخارجية و خاصة الذي تم احالتهم على التقاعد بعدالة او بإجحاف … او الذين على رأس عملهم في الداخل والخارج هم جنود ابي الحسين و سفرائه، وهم الكاظمون على الغيض، القائمون على واجباتهم وتمثيل قيادتهم، هم سفراء جلالته بمعنى الكلمة هم وزوجاتهم و جميع افراد عائلاتهم، وهم دائماُ يؤثرون على انفسهم و افراد عائلاتهم و لو كان بهم خصاصة، لا يأبهون لسيف الظلم” الذي وقع عليهم من نفر من وزراء الخارجية” والتعسف والتهميش و الاهمال والاحالة على تقاعد قبل دنوي اجل التقاعد وهم في قمة عطائهم وولائهم و اخلاصهم . على العكس فقد استمروا بعطائهم وولائهم للقيادة و ليوم الاستقلال .و يذكرون بكل العرفان و التقدير وزراء خارجية كانوا قمة في حمل رسالة الأردن الدبلوماسية وقدوة حسنة للسفراء والدبلوماسيين ، واذكر منهم ممن عاصرتهم وتعلمت منهم السياسة والدبلوماسية بداية صاحب المعالي مروان القاسم ١٩٨٢، و أصحاب المعالي : طاهر المصري والدكتور كامل أبو جابر و عبد الكريم الكباريتي و الدكتور فايز الطراونه و الدكتور جواد العناني والزميل عبدالله الخطيب و الدكتور مروان المعشر ، والدكتور هاني الملقي ، وفاروق القصراوي ، والدكتور صلاح الدين البشير و ايمن الصفدي ” مع الاعتذار لمن خانتني الذاكرة ان اتذكرهم ” .
باسمي وباسم كافة الزملاء السفراء والدبلوماسيين في هذا اليوم الاغر يوم الاستقلال، يوم استقلال مئوية الدولة الأردنية ان نرفع الى مولانا جلالة الملك وقائد مسيرتنا وملهمنا عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله، وولي عهده الأمين سمو الأمير الحسين رعاه الله أسمى آيات التهاني والتبريك، لندعوه تعالي ان يحفظ الاردن و شعبة الكريم وان تعاد أعياد الاستقلال على اردننا الغالي و شعبنا الطيب و قيادتنا الحكيمة بالأمن والأمان والتقدم والازدهار.