في الطريق إلى عجلون….
منذر محمد الزغول
=
تاريخ نشر المقال / 10-12-2016
شاءت الأقدار قبل عدة أيام وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة أن أرجع من العاصمة الحبيبة عمان إلى عجلونآ بعد منتصف الليل وكنت حينهاآ أعاني ما أعاني من وعكة صحية شديدة ألزمتني الفراش لعدة أيام ،حيث ركبت في أحد سيارات التكسيآ مع عدد من أبناء المحافظة الذين أنهوا عملهمآ ليلاًآ كعادتهمآ وقرروا الرجوع إلى منازلهم وأسرهم في عجلون .
ما إن حرك سائق التكسيآ سيارته من مثلث صويلح في عمان إيذاناً برحلة العودة من عمان إلى عجلون حتى بدأ ركاب السيارة بالحديث والنقاش ،، تناولوا مختلف القضايا الأردنية والعربية بل والعالمية ،، لم يتركوا شاردة و لا واردة إلا وتحدثوا فيها ، الفساد في الأردن كان له النصيب الأكبر من حديثهم ونقاشاتهم ،، وذكروا أرقاماً كبيرةً عن حجم الفساد فيآ الأردن للأمانة أسمعها لأول مرة في حياتي ، وتطور الأمر بركاب السيارة أن أجمعوا جميعاً على أن الأردن يعوم على بحيرات من النفط ليست موجودة حتى في دول الخليج ، والأدهى والأمر من ذلك أنهم أكدوا أن صانع القرار في الأردن لا يمكن له أن يتحدث بأمور النفط واستخراجه وذلك استجابة إلى شروط معاهدة السلام مع العدو الإسرائيلي .
وصلنا تقريباً بعد كل هذا الحديث عن الفساد وعن أمور البلد الخربانة إلى منطقة سيل الزرقاءآ والساعة تشير تقريباً إلى الثانية عشرة والنصف ليلاً ، حيث توقفنا إجباريا عند المحطة الأمنيةآ للتفتيشآ ،حيث أحسست قبل الوصول إلى المحطة الأمنية بدقائقآ أنه يجب علي أن أحزم حقائبي وأسافر بأقرب طائرةآ الى أي بلد عربي أو أجنبي حتى لو كان الصومال أو موريتانيا لأن الأمور في البلد على حد قولهم وزعمهم خربانة وما عاد هناك بصيص أمل بالإصلاح .
توقفنا لبضع دقائق عند المحطة الأمنية وهي إجراءات روتينية جداً للتأكدآ من هوية الأشخاص الموجودين في السيارة ، وكان حينها سائق السيارة بمنتهى الأدب والدبلوماسية مع أفراد القوة الأمنية الموجودين في المنطقة ، وما إنآ أخذنا هوياتنا وانطلقنا حتى بدأ سائق التاكسي يتحدث لنا عن صولاته وجولاته وبعبارة أصح عرط وبطولات على الفاضي وخاصة وهو على رأس عمله في القوات المسلحةآ ،ونسي هذا السائق المحترم قبل دقائق كيف كان يتكلم بمنتهى الأدب والدبلوماسية مع أفراد الشرطة .
ومع مغادرتنا المحطة الأمنية في منطقةآ سيل الزرقاء حتى استمر ركاب السيارة بحديثهمآ عن مختلف القضايا الأردنيةآ والعربية والدوليةآ حتى بدأت أحس أنني أجالس وزارء ودبلوماسيينآ ورؤساء أحزاب ، والمهم في الموضوعآ أن كل معلومة تحدثوا فيها كانوا واثقين منها تمام الثقة وكانوا بين الفينة والأخرى يطلبون شهادتي رغم أنهم لم يهتموا بإجابتي، ولكن ظروف الحديث تتطلب منهم بين كل قضية وقضية يتناولونها ويطرحونها شهادات الحضور من خلال الجملة المعروفة ( بالله عليك ما هو صحيح ) ،، وكنت أهز رأسي تارة متعجباً وتارة مجاملاً ، ويعلم الله كم كنت بحاجة للهدوء بسبب الوعكة الصحية التي أمر بها ، ولكن كنا كلما تقدمنا باتجاه عجلون تزيد حدة النقاش والحوار مع زيادة ملحوظة بالدخان الذي يزيد كلما زادت حدة الحوار والنقاش .
أنهى ركاب السيارة قبل وصولهم بلدة ريمون مناقشة كافة آ القضايا الأردنية والعربية والدولية وقضايا الفساد في البلدآ ومجلس النواب وجلسات الثقة ، وفي آخر ملفاتهم تناولوا الفساد في عجلون ، وأجمعوا على أن الفساد في عجلون غير مسبوق ،، واستشهدوا على ذلك بأمطار الخير التي شهدتها المحافظة مؤخراً وكيف تجمعت الأتربة والحجارة في الطرق وفي مصارف المياه ، مؤكدين أنه لوكان هناك خطط ومشاريع واضحة لما سالت قطرة ماء واحدة في الشوارع ، ولا أعرف هل نحن في اليابان أو سويسرا حتى نصل إلى هذه المرحلة ،، ولكن من الظاهر أن ركاب السيارةآ كانوا من خريجي جامعات هذه الدول واكتسبوا خبرات واسعة بالتخطيط والتنظيم ،ولكن للأسف الشديد لم يستفد أحد من خبراتهم في محافظة عجلون والوطن ، وبقيت مواهبهم وإبداعاتهم مدفونة لم يستفد أحد منها ، ولهذا نرى ونشاهد التخبط، وعدم التخطيط واضح للعيان في عجلون وفي كافة محافظات الوطن .
للأمانة لم يزعجني حديث هؤلاء الأشخاص الكبير جداً ولم يزعجني حديثهم عن الفساد والتشهير بعباد الله ، ولم يزعجني عرطهم وبطولاتهم الزائفة ، ولكن وللأمانة ما أزعجني آ وأحزنني كثيراً أنه بخضم حديث هؤلاءآ عن الفساد ومختلف القضايا التي تم طرحها آ خلال النقاش والحوار تم سؤال أحدهم من قبل زميل له عنآ أحد أبناءه وفي أي صف أصبح ، فكانت المفاجئة المدوية أن هذا الشخص الذي أشبعنا كذباً وحديثاً عن الفساد والواسطة والمحسوبية لا يعرف عن ابنه شيئا ولاآ في أي صف أصبح ، وباعتراف شخصي منه أنه لم يزر مدرسة ابنه منذ سنوات عديدة ،فيما يتحدث بكل عنجهية عن عباد الله وفسادهم ونسي أو تناسى أنه أكبر فاسد لعدم متابعته أو حتى السؤال عن أبنائه في مدرستهمآ .
أحد ركاب السيارة الآخرينآ والذي أيضاً لم يبقي ولم يذر لعباد الله شيئاً ، لم يتوقف هاتفه عن الرنين طوال رحلتنا ، ولكنه لم يكن يجيب على الإطلاق ، وعندما طالبه أحد الركاب أيضاً بالرد على الهاتفآ أجاب بكل بساطة أن هذه هي زوجتي وإنآ أجبتها ستطلب مني بعض الحاجات والأغراض للبيت ولها ولذلك لن أجيب ، فبادره زميله بسؤال آخر وما المشكلة إن أحضرت بعض الأغراض للبيت ، فأجابه و بكل وقاحة بعض النسوان ما بنعطن عين.
أخيراً رحلة بسيطة من عمان إلى عجلون زادت عن الساعة بقليل ،كانت كفيلة على الأقل لي شخصياًآ لأرى حجم الكارثة والمعاناة التي وصلنا لها ،كلنا يتحدث عن الفساد والمحسوبية والواسطة ، والكثير منا يلعن البلد صباح مساء ، والكثير منا يصور البلد على أنها خربانة ومنتهية ، وليس أمامنا سوى الرحيل ، نهدم ونخرب آ بيوتنا بأيدنا ،ونسينا أنه ما زال هناك أشياء جميلة جداً في حياتنا ووطننا من الممكن أن نبني عليها الكثير ،فضوء اï»·مل في نهاية النفق،و بعد الليل لا بد أن يطلع الفجر .
اليوم أيضاً وأنا أتصفح صفحات الفيس بوكآ تذكرت رحلتي من عمان إلى عجلونآ ، وتذكرت حجم المعاناة التي وصلنا لهاآ في بلدنا الغالي ، كلنا يتحدث عن الفساد والمحسوبية والترهل ،، وكثير منا وللأسف الشديد كركاب تلك السيارة نتكلم صباح مساء عن الفساد ،، ونسينا بل وتناسيناآ أن نصلح أنفسنا أولاًآ قبل أن نتكلم بإصلاح عباد الله .
يا الله كم نحن بحاجة أن نصلح أنفسنا ، قبل أن نتحدث عن إصلاح غيرنا ، وياالله كمآ نحن بحاجة إلى وقفة صادقة نراجع فيها كلآ آ حساباتنا ،و أن نتخلص من هذا الشعور آ وهذه العقدة التي بداخلنا بأن من حولنا كلهم فاسدون وحرامية ونحن فقطآ من نمتلك صكوك الغفران والشرف والفضيلة ،، ونحن فقط القادرون على صنع الحلول والمعجزات وغيرنا لا يعرف ولا يفقه شيئاً حتى آ في أبسط الأمور آ والقضايا .
آ