قصور إعلامنا في وضع أبناء الدولة على خارطة العالم
الدكتور رشيد عبّاس
الإعلام المهني في العالم كل العالم له دور أساسي في وضع أبناء الدول على خارطة العالم, فقد نجد أن كثير من الشخصيات المشهورة والمعروفة عالمياً بغض النظر عن أيدولوجياتهم ومشاربهم الفكرية كان للإعلام في دولهم دور كبير وبارز في إشهارهم ووضعهم على خارطة العالم, ولا شك أن هناك في هذا العالم اشخاص آخرون لا يقلوا أهمية ومكانة عن هؤلاء, إلا أن الإعلام في دولهم لم يعثر عليهم ولم يعمل على أظاهرهم وإبرازهم للعالم الخارجي.
فمثلاً نجد أن للإعلام الباكستاني الممنهج دور كبير وأساسي في إبراز المفكر الإسلامي الشهير(محمد إقبال) ووضعه على خارطة العالم ليأخذ شهرة واسعة جداً في العالم الاسلامي, ونجد أيضاً أن هناك دور واضح للإعلام الفرنسي بكافة أشكاله في نقل شهرة عالِم الاجتماع (أوغست كومت) من خارطة فرنسا الداخلية إلى خارطة العالم الخارجية ليأخذ شهرة واسعة جداً في العالم في علم الاجتماع.
ولمزيد من الأمثلة على دور الإعلام في وضع رجالات الدولة التي يتبع لها على خارطة العالم, نجد أن الإعلام المصري لعب دوراً كبيراً جداً في جعل القارئ الشيخ (محمود خليل الحصري) من قارئ مصري إلى قاري عالمي جاب بصوته الجميل وتلاوته الخلابة للقرآن الكريم جميع أنحاء العالم, ونجد أيضاً أن الإعلام العربي خلّد البطل الصنديد (خالد بن الوليد) الذي لم يهزم في أي معركة خاضها قبل إسلامه وبعد إسلامه, كذلك نجد أن وسائل الإعلام الألمانية جعلت من المستشارة الألمانية (انجيلا ميركل) أذكى شخصية سياسية في العالم والذي تجاوز نسبة ذكاءها الـ 180 على مقياسIQ .
وأكثر من ذلك نجد أنه كان للإعلام البريطاني دور كبير في الترويج للروائي البريطاني المعروف (تشارلز ديكنز) والذي تعد رواياته الأكثر مبيعاً وانتشاراً في العالم على وجه العموم, فقد تبنى هذا الإعلام البريطاني نشر رواية تشارلز ديكنز المعروفة بعنوان قصة مدينتين, الأمر الذي جعل الناس في جميع أنحاء العالم يتدافعوا لشرائها, ونفاذ نسخها أكثر من مرة في الاسواق وطرحها من جديد في مراكز بيع الكتب والمكتبات العامة.
في المقابل, توّجت المُدرّسة لمادة الفلسفة في الثانوية التأهيلية ليكسوس بالعرائش (فاطمة المهدون) كأفضل مُدرّسة في العالم لعام 1923م كان ذلك في إطار مسابقة جوائز المعلم العالمية, وذلك من خلال دعم الإعلام المغربي لها وتشجيعها, من جانب آخر نجد أن الدكتور (عبد القادر محمدي) قد خطف من خلال الإعلام الجزائري الأنظار كأفضل طبيب في العالم لعام 2022م بعد أن ساهم في تفكيك شفرة فيروس كورونا, وكان أيضاً هناك دور بارز للإعلام الأمريكي في منح (فرانك لويد رايت) لقب أفضل مهندس معماري في العالم أجمع, مع أنه لم يلتحق بدراسة الهندسة المعمارية, إنما بدأ بدراسة الهندسة الميكانيكية لكنه لم يكمل دراسته فيها.
من جانب آخر روّج الإعلام الماليزي لأشهر مصمم للأزياء العالمية (جيمي تشوو), حيث أظهر هذا الإعلام لمسات وابداعات جيمي تشوو لتصاميم الحقائب والأحذية النسائية والذي وصل من خلالها إلى شهرة واسعة جداً جعلت منه أكبر مصمم في العالم, ايضاً عمل الإعلام الروسي الممنهج عبر قنواته العالمية على مدار عدة سنوات على إبراز الرئيس الروسي ( فلاديمير بوتين) كأقوى رئيس في اتخاذ القرارات الحاسمة في العالم, وأخيرا أظهرت وسائل الإعلام الإيطالية المسموعة والمرئية الرسام الإيطالي (ليوناردوا دافنشي) كأشهر رسام في العالم وجعلت لوحاته تجوب جميع انحاء العالم وعمل هذا الإعلام على تغطية جميع معارض لوحات هذا الرسام وتثبيت أسعار بعض اللوحات العالمية لهذا الرسام التي وصلت أحياناً إلى بضع ملايين من الدولارات.
اعتقد جازماً أن لدينا في الأردن حالات إبداع وتميز عديدة ومماثلة لتلك الحالات التي كشف عنها الإعلام في كثير من دول العالم, إلا أن المشكلة لدينا تقع وللأسف الشديد في قصور (فلسفة الإعلام), حيث انه لا يوجد لدينا إعلام باحث عن زوايا هنا وهناك من شأنها وضع الأردن من خلال أبناءه المبدعين والمتميزين في بعض المجالات على خارطة العالم.. كما هو الحال في إعلام بعض الدول.
مؤكداً هنا على قصور إعلامنا الأردني في وضع بعض أبناء الدولة على خارطة العالم, ويمكن رد هذا التقصير للأسباب الآتية: أولاً إعلامنا غير متابع للمسابقات والمنافسات العالمية في بعض المجالات العلمية, ثانياً إعلامنا غير مؤهل لإبراز قدرات وإنجازات أبناء الوطن في بعض المجالات الأدبية, ثالثاً إعلامنا لا يمتلك أدوات تشجيع ودعم المبدعين في مؤسسات الدولة العامة والخاصة, رابعاً إعلامنا (الأكاديمي) لم يتلمس حتى اللحظة هذا البعد والمسار الإعلامي الهام والضروري وانعكاساته السياسية والاقتصادية والاجتماعية الإيجابية على سمعة الدولة وشهرتها, خامساً إعلامنا إعلام ناقل لغيرنا للتميز والإبداع, وليس صانع للتميز والإبداع المحلي كما هو الإعلام في كثير من دول العالم.
وبعد..
كليات الإعلام لدينا أثبتت بكل وضوح عجزها الواضح في بناء ثقافة إعلامية متخصصة لدي الخريجين في كيفية إبراز أبناء الدولة المبدعين والمتميزين في كافة المجالات إعلامياً, ووضع هؤلاء على خارطة العالم, (مع يقيني أن فاقد الشيء لا يعطيه), الأمر هنا يتطلب من المعنيين معالجة ذلك من خلال إعادة هيكلة وتجديد إدارة مثل هذه الكليات الإعلامية, لتأخذ دورها المهني, من اجل أن تتمكن من مواكبة ما وصل اليه العالم في هذا المجال الإعلامي.