كواليس ما قبل اغتيال قاسم سليماني
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد الله
اللواء ( قاسم سليماني ) قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني والمسؤول عن القوات المسلحة الإيرانية في الخارج و ( ابو مهدي المهندس ) نائب رئيس قوات الحشد الشعبي العراقي ادرجت اسمائهما على قائمة المطلوبين للولايات المتحدة منذ سنوات و لهذا اتخذ الرجلان بعض التدابير الأمنية الصارمة والتزما بها لإبقائهما بعيدين عن ( طائلة الاستهداف ) حيث تجنب كلاهما استخدام التقنيات الحديثة حيث لا يستخدمان الهواتف الذكية واجهزة الحاسوب المتطورة
وقد كان عدد الأشخاص الذين يستطيعون الوصول إليهما محدودا جدا كما بذلا جهوداً كبيرة للتخفي أثناء تنقلهما حيث كانا يسافران دائماً بدون تحديد تاريخٍ مسبق وبدون الإعلان عن الوجهة الذاهبين اليها ويستخدمان خطوط طيرانٍ عادية ولا يمران عبر القنوات الرسمية المعتادة من أجل ختم جوازات سفرهما في المطارات او تفتيش الامتعة ومن ثم يتنقلان بسياراتٍ عادية مع أقل عددٍ ممكن من المرافقين حيث كان من الصعب تعقبهما إ لكنهما نسيا ان مطاري دمشق وبغداد ( يعجان بالعملاء والمصادر الاستخباراتية الموالية لأمريكا ) ولهذا وقعا في المصيد بشكل دقيق
بمجرد وصول قاسم سليماني الى بغداد على متن رحلة عادية لشركة أجنحة الشام للطيران استقبله صديقه المقرب ابو مهدي المهندس ضمن حفل استقبالٍ صغير بسيارتين مجهزتين لاصطحابه إلى منزله بالمنطقة الخضراء شديدة التحصين وهو عنوان اقامة سليماني المعتاد في كل زيارته للعاصمة العراقية واثناء مسير المركبات كانت هناك طائرةٌ أمريكية بدون طيار تحوم فوقهم وتستعد لقصفهم وفي غضون ( دقائق مات الرجلان ) رغم كل الإجراءات الأمنية التي ينفذانها بخرص بالغ
بعض المسؤولين العراقيين المطلعين على تحركات سليماني أفادوا بانه كان يستخدم عدة نقاط معتادة في دخولهٍ إلى العراق في بعض الأحيان كان يهبط في مطار بغداد الدولي على غرار ما حدث في رحلة مقتله الأخيرة وأحياناً أخرى كان يصل الى النجف أو يجتاز ( معبر المنذرية ) الحدودي باتجاه محافظة ديالى على بعد 120 كم شرق بغداد وهو قادم من إيران وفي الفترة الاخيرة ظل يهبط كثيرا بالطائرة في منطقة كردستان شمال العراق ثم يسافر إلى بغداد بالسيارة
قبل يوم من اغتياله وصل سليماني إلى مطار دمشق صباح الخميس 2 / 1 / 2020 ولم يلتقِ أحدا في العاصمة السورية على الإطلاق حيث انتقل مباشرةً من الطائرة إلى سيارةٍ أقلّته إلى بيروت وهنالك التقى بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وقد جلساً لساعات يناقشان آخر التطوّرات في العراق وخاصةً ما يتعلق بالغارة الجوية الأمريكية التي ضربت ( كتائب حزب الله العراقية ) والهجوم على السفارة الأمريكية في بغداد في حينه والهدف من المحادثات كان المساعدة في تنسيق عمل الفصائل المسلحة المدعومة من إيران بالمنطقة وتجهيزها لأي مواجهةٍ مقبلة مع الولايات المتحدة الامريكية
لم يمكث سليماني وقتاً طويلا في بيروت وعاد إلى دمشق في الليلة ذاتها مستخدماً نفس التدابير وفي مطار دمشق صعد سليماني على متن طائرة أجنحة الشام في رحلتها المتجهة إلى بغداد بجوار الركاب العاديين حيث استغرقت الرحلة من دمشق إلى بغداد ساعةً وخمس دقائق وكان من المفترض بالرحلة أن تنطلق في تمام الساعة 8:20 مساءً لكنها تأخرت لسبب مجهول حتى الساعة الـ8:28 وقد هَبَطَت الطائرة في الساعة 12:32 بعد منتصف الليل في مطار بغداد الدولي بحسب البيانات العامة للشركة
ابو مهدي المهندس قيادي البارز في الحشد الشعبي وأحد أكثر الشخصيات نفوذاً في العراق وأهم رجال إيران في البلاد تلقى على عجل أنباءً تفيد بأنّ سليماني سيهبط في الأراضي العراقية قريباً ولم تتضمّن المعلومات للضرورات الأمنية سوى اسم شركة الطيران وموعد الوصول فقط
وزيادة في الحيطة والحذر استدعى المهندس المدعو ( محمد رضا ) مساعده المقرب والمسؤول عن تشريفات الحشد الشعبي في المطار وأمره بقيادة السيارة إلى بوابة المطار والاستعداد لوصول ضيفٍ مهم ( مطار بغداد الدولي يخضع لتدابير أمنية مشددة منذ عام 2003 حيث يدير الأمن داخله شركة بريطانية تحت إشراف أجهزة المخابرات والأمن القومي العراقية )
أما قوات مكافحة الإرهاب العراقية فهي المسؤولة عن تأمين محيط المطار ومجاله الجوي والطرق المؤدية إليه بالتعاون مع الولايات المتحدة وتلزِمُ الاجراءات الأمنية الركاب العاديين بالمرور عبر عدة حواجز أمنية مُنتشرة على طريقٍ بطول 10 كم أثناء دخولهم وخروجهم من والى المطار
وبخصوص المسافرين والمسؤولين الذين يتنقلون مع حاشيتهم فيسمح لهم بالعبور من طريق مدخل كبار الزوار والذي لا يتطلب سوى إعلام الحاجز الأمني بهوية المسافرين وتفاصيل السيارة المرافقة ورقم لوحتها وأي معلوماتٍ مفاجأة او خطيرة تصل إلى ذلك الحاجز الأمني تجري مشاركتها على الفور مع أمن المطار والأمن القومي والمخابرات والشركة المشرفة
المهندس يعتبر أخطر رجلٍ في العراق واكبر منفذ للرغبات الإيرانية من جانب الولايات المتحدة وكذلك خصومه العراقيين على حدٍّ سواء وقد راقبه الأمريكيون طوال سنوات وطيلة عمله لم يستقبل أحداً في المطار غير سليماني
لم تكن الحافلة الصغيرة من طراز هيونداي والسيارة من نوع تويوتا التي استقلها سليماني والمهندس ومرافقيهما قد ابتعدتا كثيراً قبل أن تهز الانفجارات الثلاثة الحدود الغربية لبغداد في الساعة 1:45 صباحا حيث اطلقت ثلاثة صواريخ موجَهة على العربتين دمرتهما بالكامل وقد استغرقت السلطات العراقية ساعاتٍ عديدة لتحديد هوية الضحايا الذين أحرِقَ بعضهم تماما الا إنه مع ذلك كان من السهل تحديد جثة سليماني بفضل الخاتم الممَيَز والكبير ذي الحجر الأحمر الغامق الذي كان يرتديه في اصبع يده اليسرى وقد كانت العمليةً كبيرةً ودقيقة نفذتها طائرتي درونز بدون طيَار وفق تقرير معزز بفيديو كانت قد بثته شبكة فوكس نيوز حيث كانت تحوم الطائرتين تحومان فوقهم في انتظار مغادرتهم مبنى المطار
ً
المعلومات الامنية المسربة عن عملية اغتياله تشير الى انه كان لدى الأمريكيون معلوماتٍ تفيد بأن سليماني كان في طريقه إلى بغداد وبمعيته مرافِقين أحدهما كان صهره وأن ابو مهدي المهندس سوف يستقبله في المطار ويصطحبه إلى منزله في المنطقة الخضراء
وأن عناصر من القوات الخاصة في الجيش الأميركي المعروفة اختصار بأحرف ( اس او اف ) كانوا يتبعون الموكب المكون من سيارتين منذ خروجه من المطار وكانوا خلفه على بعد 800 متر تقريبا حين استهدفتهم الصواريخ حيث أسرعوا إليه وأبعدوا جثته المشتعلة عن سيارته التي كانت تحترق والتقطوا بعض الصور له ولما كان معه بالحقيبة وقد ظهر لاحقا في احدى تلك الصور سلاح كلاشنكوف ومسدس كانا معه بالسيارة وفي ثانية صورة لمحفظته الخاصة اضافة الى كتاب يتضمن مختارات من قصائد بكائية ومدائح كربلائية كان سليماني يحرص على حمله معه في تنقلاته
فضلا عن اضافة الى ان الأمريكيين تمكنوا من تجنيَد بعض الافراد القريبين من الرجلين لتعقب حركتهما وتحديد المكان والزمان لاغتيالهما وان جميع التقديرات تؤكد بان سليماني تعرض لخيانةٍ كشفت خط سير رحلته خلال الـ 36 ساعة الأخيرة من حياته ويبدو أنه كان مراقباً عن كثب منذ اللحظة التي وصل فيها إلى دمشق قادماً من طهران قبل يومين من اغتياله
حقيبة قاسم سليماني المتنقلة معه كهاتفه المحمول كانت خزنة أسراره حصل علي بعضها الأميركيون بعد دقيقتين تقريباً من قتله و 9 آخرين كانوا معه
قاسم سليماني كان بعمر 62 سنة يوم مقتله كما كان مستهدفاً دائماً من الأميركيين الذين أعلنت حكومتهم أن إيران مسؤولة عن مقتل 608 جنودهم في الحرب التي امتدت بين 2003 إلى 2011 في العراق وأن سليماني مسؤول شخصياً عن مقتل 17% منهم أي أكثر من 100 قتيل ولهذا وغيره الكثير تم استهدافه وتصفيته
mahdimubarak@gmail.com
.