كيف أفشل تسويق التطبيع الإسرائيلي في مونديال قطر ؟
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
منذ عدة سنوات بدأت بعض الدول العربية مثل البحرين والإمارات والسودان والمغرب تطبيع علاقاتها الرسمية مع الكيان الصهيوني الغاصب وقد رافق هذا التوجه دعم كامل من قبل الولايات المتحدة وأوروبا في إطار تنفيذ مشروعي صفقة القرن المؤجلة واتفاقيات إبراهام الهادفة وفقا لرؤية ترامب ونتنياهو لشطب الفلسطينيين من المعادلة وتجاوزهم وفتح الأبواب الخلفية لإقامة علاقات سرية وعلنية مع بعض الحكام العرب بعدما طويت الى الابد صفحة النزاع العربي الإسرائيلي التقليدية لتبدأ مرحلة مختلفة وجديدة تحول فيها الصراع بين أنصار التطبيع العربي وأعدائه ليفعل الخضوع والارتهان ما عجزت السياسة والحرب عن فعله
الجماهير العربية والإسلامية المشاركة في متابعة مونديال كأس العالم بقطر نجحت في تسجيل حضور قياسي أظهرت فيه للعالم أن سياسة تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية لا تحظى بأي احترام او اهتمام من قبل الرأي العام الشعبي بل على العكس ظهرت هنالك وبحدة بالغة مشاعر غضب وكراهية اتجاه الإسرائيليين مقابل تقديم الدعم والتأييد العلني للفلسطينيين الذين توافدوا على قطر بتنظيم وحماس لتذكير العالم بالاحتلال الصهيوني والظلم الذي تتعرض له حياتهم وقبل انطلاق المباراة الافتتاحية لكأس العالم شهدت منطقة لوسيل أنشطةً رياضيةً وفنيةً بمشاركة العديد من الفعاليات الفلسطينية
في حفل افتتاح المونديال في المباراة الافتتاحية بين قطر والإكوادور رفع العلم الفلسطيني في مدرجات استاد البيت وقد كان واضحا للعيان ولعدسات المصورين في كل شوارع الدوحة من المترو الى سوق الواقف وكتارا والكورنيش ولوسيل وفي معظم الملاعب ان عدد مناصري فلسطين وقضيتها أكبر من جميع البلدان الأخرى حيث رفعوا العلم الفلسطيني بكثافة ورددوا اسم فريق كرة القدم الفلسطيني الذي لم يكن حاضرا في المنافسات لكن الفلسطينيين ومناصريهم كانوا فريقا واحدا متماسكا ابهر الجميع
كما رفع المشجعون التونسيون خلال مباراة بلادهم مع وأستراليا علما كبيرًا كتبت عليه عبارة ( فلسطين حرة ) وكذلك فعلت الجماهير المغربية خلال مباراة فريقها ضد بلجيكا وقد دخل احد المشجعين التونسيين الملعب اثناء مباراة بلاده أمام فرنسا رافعاً العلم الفلسطيني وهو يردد بأعلى صوته فلسطين عربية
في ذات الوقت كم كان رائعا ومدهشا مشاهدة بعض المشجعين البرازيليين والأرجنتينيين والإسبان واخرون يرفعون العلم الفلسطيني ويتوشحون بالكوفية الفلسطينية ويرتدون قمصان كتب عليها عبارة فلسطين عربية ولهذا يمكننا القول صدق من قال أن فلسطين كانت فعلا الفائز الأكبر في مونديال قطر 2022 ونظام التطبيع العربي وقطعانه هو الخاسر الأكبر بعد فشله الذريع في تطويع ومواءمة الشعوب العربية مع هذه العملية المخزية والمرفوضة وقد خاب ظنهم الواهم بأن اتفاقيات التطبيع ستزيل كراهية وعداوة الشعوب العربية لإسرائيل وهو ما يثبت أن جميع اتفاقيات التطبيع الموقعة خلال السنوات الماضية كانت فقط اتفاقيات بين الأنظمة والحكومات بهدف تعزيز المصالح المشتركة
الحكومة القطرية بدورها مشكورة وفرت للمشجعين الفلسطينيين وأنصارهم منطقة خاصة بمساحةً مناسبة لإثارة قضية احتلال أراضيهم وكشف الممارسات الصهيونية الاجرامية بحقهم وفي خطوة كانت مثيرة للاهتمام رفعت الحكومة القطرية العلم الفلسطيني على المباني الرسمية كما رفع المواطنون القطريون الشرفاء علم فلسطين فوق منازلهم وسياراتهم وفي محالهم التجارية ووزعوها على المارة كما اطلقوا الأناشيد الثورية الداعمة للقضية الفلسطينية وعلقوا شعارات التضامن مع غزة المحاصرة وفي ذات الاطار قرر شاب سعودي کان يبيع أعلام الدول المشارك في المونديال تقديم العلم الفلسطيني مجانا للمشجعين نصرة ودعما منه للقضية العربية الفلسطينية
اللافت في هذه التظاهرة الرياضية العالمية ان معظم وسائل الإعلام الغربية نادراً ما كانت تنقل اخبار مثل هذا الدعم الكبير للفلسطينيين في كأس العالم وفي الغالب كانت تتجاهله عن قصد وهي وتركز جهدها في تسليط الاضواء على قضايا جانبية مثل حقوق المثليين والعمال والطقس وغيرها
الكيان الصهيوني أرسل اخبث صحفيه واعلاميه ومستوطنيه إلى قطر للترويج لمهزلة التطبيع وفي تفكيرهم المسبق أنه يمكنهم أن يطلبوا من المواطنين العرب وخاصة جيل الشباب أن يهتفوا دعما لكيانهم الذي كان يتوهم أنه يمكن أن يكون حاضرا في المونديال بقوة ويتفاعل في الشارع بسهولة ويقابل الجماهير بأريحية ويفرض وجوده بشكل طبيعي وان يكون جدير بالتقدير والاحترام وتبادل مشاعر الحب والود مع الجماهير العربية لكنه خاب فألهم بعدما شهد المونديال انتصارا كبيرا حققته الشعوب العربية والإسلامية والصديقة في دعم ومؤازرة القضية الفلسطينية
خلفية الحدث ومساراته ودلالاته تشير بوضوح الى ان فلسطين الكيان والانسان أصبحت موجودة أكثر من أي شيء آخر في عقل وقلب وضمير شعوب العالم العربي والإسلامي وهي تتردد على شفاه المشاركين في المونديال في المقابل كانت إسرائيل مهمشة ومرفوضة لم تذكرها الشعوب العربية والإسلامية ولا الشعوب الحرة الا بوصفها دولة قمعية وعنصرية ترتكب جرائم القتل الجماعي المنظم والتطهير العرقي الممنهج ضد الفلسطينيين منذ عام 1948 وحتى اليوم ما دفع السياح الإسرائيليين الى الانزواء والتقهقر ثم مغادرة كأس العالم مبكرًا وهم يجرون خلفهم الخيبة واليأس بعدما تلقوا صفعة قوية على وجوههم بسبب الأجواء المعادية لهم والبعيدة كليا عن احلامهم بقبول السلام الدافئ المبني على الأكاذيب و الذي انتظروه طويلا
انصافا للحقيقة والتاريخ يمكننا القول ان الأجيال العربية والإسلامية المقبلة اثبتت على ارض الواقع انها لن تعترف مطلقا بشيء اسمه إسرائيل بين الشعوب والامم وقد أصبحت تؤمن اكثر بان لفظها وزوالها من خرائط الجغرافيا السياسية مسألة وقت وهو قادم لا محالة وان تحرير فلسطين سيبقى هدف عالمي للعرب والمسلمين وغيرهم من الباحثين عن الحرية في العالم وان فعاليات كأس العالم بقطر اثبتت ان فلسطين هي الحاضر دائما في قلوب وضمائر أبناء الامة وان إسرائيل ليس لها أي وجود او احترام خارجي وأن الرواية الفلسطينية حية وحاضرة ومئات الملايين من الناس من غير العرب والمسلمين خارج الشرق الأوسط، يؤمنون بها ويدافعون عنها لقناعاتهم الراسخة بأن المحتل غاصب وظالم وأن فلسطين عربية وبناء عليه يمكننا القول أن التطبيع قد اعدم في مونديال قطر بيد الجماهير الحرة
الفلسطينيون بوعيهم ذهبوا الى قطر ليذكروا العالم بمأساتهم واغتصاب أراضيهم وفضح ممارسات الاحتلال العنصري الذي لم يترك نوعا من أنواع جرائم الحرب إلا واستخدمها ضد الأبرياء بدءاً من تعذيب الأسرى وإساءة معاملتهم وإعدامهم مروراً بالجرائم الموجهة ضد المقدسات المسيحية والإسلامية وترهيب المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسرا وليس انتهاءً عند القتل والحصار والإبادة الجماعية
الكيان الإسرائيلي وبدعم كبير من الرئيس الأمريكي السابق ترامب استطاع في البداية اقناع بعض رؤساء الأنظمة العربية على قبول التطبيع ثم أجبرت بعض القوى السياسية على السير في ركابه وفي المرحلة الأخيرة ذهب إلى الشعوب لكنه عجز عن اختراق هذا الحصن المنيع حيث تشير تقديرات واستطلاعات قياس الراي الى ان أكثر من 80٪ من أبناء الشعوب العربية والإسلامية يرفضون التطبيع كليا مع كيان الاحتلال ويعتبرونه مجرم وغاصب
ما حدث في قطر مع المستوطنين والصحفيين الذين ذهبوا لمشاهدة وتغطية فعاليات المونديال من عملية إهانة وطرد وتضييق وحتى شتم وسوء معاملة لم يكن غريب على احرار وشرفاء أبناء الامة العربية فهذا سائق سيارة الأجرة يرفض أن يوصلهم وذاك صاحب المطعم يطردهم وحارس العمارة يسحب هواتفهم ويحذف الصور التي التقطوها وشرطي يقوم بإلقاء علم كيانهم القمامة وغيرها من التصرفات التي يؤكد انهيار الرواية الكاذبة وسقوط الصورة المزيفة التي صنعها نتنياهو ومن قبله قادة الكيان الصهيوني
بأن القضية الفلسطينية أصبحت في آخر اهتمامات العرب والمسلمين وأن التطبيع سيعكس حالة تردي الشعوب العربية والإسلامية بقبولهم لإسرائيل ليجدوا امامهم رد فعل شعبي عنيف طبيعي وغير مفبرك على مهزلة ( التطبيع الاجباري ) وقد ثبت لهم بوضوح أن ذاكرة الشعوب العربية ليست ذاكرة سمكية تنسى بسهولة صور المجازر والمذابح والتشريد والإرهاب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعة عقود من قبل الاحتلال حيث ادرك الإسرائيليون في شوارع قطر أن الموقف الحقيقي للشعوب العربية من التطبيع هو رفضه وازدرائه وليعلموا من جديد انهم منبوذون ومحتقرون وهم يعانون من موجة كراهية شديدة لا نهاية لها الا بعودة الحق والأرض الى أهلها الأصليين لتبقي قضية فلسطين الهدف والاساس والمنطلق
الهتافات التي صدحت بها حناجر المشجعين ( فيفا فلسطين وتحيا فلسطين ) في الملاعب والشوارع والمدرجات كانت بمثابة الزلزال المدوي الذي عكس المشاعر الوطنية والقومية الجياشة لواقع الصراع العربي الإسرائيلي برمته كما انه حددت مركزية القضية الفلسطينية لدى الشعوب العربية وفضح سلسلة التحديات والعراقيل التي تواجه إسرائيل في أي تسوية في الشرق الأوسط من شأنها ان تتخطى القضية الفلسطينية التي لا تقتصر مكانتها ورمزيتها على بقعة أرض متنازع عليها وهو ما يكشف أكثر زيف وهشاشة وفشل اتفاقيات التطبيع والسلام الموقعة بين إسرائيل الرسمية وبعض الأنظمة العربية التي تجاوزت شعوبها
يذكر ان الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا عقد اتفاقه مع قطر للسماح للإسرائيليين بالسفر إلى الدوحة ومنذ بداية البطولة حصل ما يقرب من 4000 إسرائيلي مقابل 8000 مشجع فلسطيني على تأشيرات لدخول قطر فيما أعلن وزير خارجية الكيان الصهيوني أنه من المتوقع مشاركة 20 ألف إسرائيلي في متابعة هذه المباريات لكنهم على ارض الواقع كانوا مجرد مجموعات محدودة متفرقة كانوا يفرون كالجرذان المرعوبة من غضب الجماهير الرافضة لوجودهم
الحقيقة التي لا مراء فيها ان الصهاينة يعلمون قبل غيرهم ان فلسطين لم تكن يوما أرضاً بلا شعب أو قضية كما قدموا رواياتهم المكذوبة للعالم خاصة بعدما خسروا رهانهم على موت الكبار ونسيان الصغار لوطنهم وأرضهم لتخرج الأجيال الشابة وبعد سنوات طويلة من هدم البيوت والحصار والقتل والعنصرية والاجرام من رحم القهر والمعاناة وهم اكثر وعيا وقوة وتصميم ليعلنوا مع شرفاء امتهم واحرار العالم
فشل وانهيار اختبار التطبيع المزعوم مع الشعوب العربية والإسلامية الذي طالما روّج له سياسيون إسرائيليون وعرب وليكون مونديال قطر 2022 خير شاهد ساطع ودليل قاطع على ان الفلسطينيون باقون في قلب وضمير الامة يحظون بالدعم والمؤازرة لانهم أصحاب قضية وحق ولا يستطيع الصهاينة احفائه او انكاره على الرغم من سعيهم الحثيث لتطبيق مشروعهم الصهيوني الاحلالي المتغطرس والذي بدأ يدخل في دوامة النهاية والخراب باعتراف كثير من الإسرائيليين
اسمحوا لنا ان نتساءل معا بسخرية وتهكم واستخفاف الا يستحي معشر الغارقون في وحل التطبيع مما سمعت اذانهم وشاهدت اعينهم من مهانة وتحقير ورفض وطرد لـ ( أصدقائهم واخوانهم ) الإسرائيليين ثم الا يتوجب عليهم الصحوة وأعاده حساباتهم والرجوع عن الخطأ واذا ما بقوا على ضلالتهم وغيهم فأننا نعدهم بحق رب العالمين وقدسية ارض فلسطين ان تكون نهايتهم موحشة ومصيرهم أغبر على ذات الخطى المذلة والمخزية لاسلافهم مهما طال الزمان فانتظروا أيها العملاء والخونة انا معكم منتظرون
ختاما اجزل الشكر واصدق التقدير لدولة قطر اميرا وحكومة وشعبا التي جمعت العقول وأشعلت القلوب ووحدت الأرواح وأطلقت الحناجر وألهمت الإرادات وحثّت الأفعال وأيقظت الهمم ونشرت الوعي الوطني والقومي لدعم ومؤازرة الشعب الفلسطيني ونصرة قضاياه العادلة
mahdimubarak@gmail.com