لا مركزية التوظيف في الخدم المدنية
د.عبدالله محمد القضاة
=
بقلم / د. عبدالله محمد القضاه*
تحدثت في مقال سابق حول أهمية تعزيز صلاحيات ديوان الخدمة المدنية في تخطيط الموارد البشرية بما في ذلك الحق المرجعي في تحديد حاجة الدائرة للموارد البشرية كما ونوعا وتوقيتا وفق الأوصاف الوظيفية التي يعتمدها لهذه الغاية، والرقابة الإدارية على دوائر الخدمة المدنية للتحقق من سلامة تطبيق التشريعات المتعلقة بالخدمة المدنية والتدقيق على الاجراءات الوظيفية كافة وعدم الإكتفاء برفع التقارير اللازمة بذلك إلى رئيس الوزراء بل الأصل أن يكون للديوان سلطة الغاء القرار المخالف.
يمارس ديوان الخدمة المدنية عملية توظيف الموارد البشرية حيث يستقبل طلبات التوظيف ويجري الإمتحانات التنافسية ويشارك في مقابلات التوظيف ويرشح الأشخاص لملء الوظائف الشاغرة في جهاز الخدمة المدنية مما يرتب عليه عبء كبير جدا ويحمله مسؤولية تأخير تعبئة الشواغر منذ لحظة الحاجة اليها ولغاية إلتحاق المعينين بوظائفهم ناهيك عن تذمر الدوائر وعزو عدم ملائمة الموظفين الجدد لمتطلبات الكفاءة المتوقعة لمنهجية الديوان في إعتماد الأقدمية (الدور والترتيب التنافسي) كأحد معايير أولوية التعيين، وسيتوقف العمل بهذه المنهجية اعتبارا من تاريخ صدور جدول تشكيلات الوظائف الحكومية للعام 2027 وفقا لنظام الخدمة المدنية الساري المفعول.
هناك تباين في وجهات نظر خبراء الإدارة تجاه دور ديوان الخدمة المدنية في عملية تحديث الإدارة العامة الأردنية ، حيث يرى فريق ضرورة إلغاء ديوان الخدمة المدنية وترك الأمر للدوائر لتدير مواردها البشرية لوحدها، وأعتقد أن هذا الفريق يعتقد أن دور الديوان يقتصر على إدارة عملية التوظيف فقط علما أن هذه العملية لاتشكل 20% من حجم العمل الفعلي للديوان، حيث من الضروري أن يكون للديوان دورا قويا في تخطيط الموارد البشرية وبناء الهياكل التنظيمية وإعداد وإعتماد بطاقات الوصف الوظيفي ومراقبة سياسة التوظيف على المستوى الوطني خاصة بعد إلغاء وزارة تطوير القطاع العام وقبلها ديوان الرقابة والتفتيش الإداري وعدم وجود مكتب مفتش عام في المملكة.
فريق آخر من الخبراء يرى إمكانية تمكين الديوان شريطة تعهيد عملية التوظيف لشركات متخصصة في القطاع الخاص، حيث يتم إعتماد الشواغر والأوصاف الوظيفية من الديوان وترك عملية تعبئة الشواغر لهذه الشركات وفق سياسة عادلة وشفافة ومحايدة تضمن تكافؤ الفرص من خلال عملية الإعلان عن الشواغر في الصحف المحلية ووسائل التواصل الإجتماعي وإجراء الإختبارات التنافسية والمقابلات ، وهذا يعني إلغاء طلبات التوظيف الموجودة في الديوان، ومن حق الديوان وكذلك ديوان المحاسبة مراقبة عدالة وموضوعية إجراءات التعيين.
ويرى فريق ثالث؛ وأنا منهم؛ أن يصدر قانون للموارد البشرية ينشأ بموجبه ديوان الخدمة المدنية ويمنح الديوان سلطة أقوى في عملية تخطيط الموارد البشرية وتطويرها وإعتماد الهياكل التنظيمية والأوصاف الوظيفية للدوائر بما فيها تسعير الوظائف والرقابة الفعلية على دوائر الخدمة المدنية كما ذكرت في المقدمة، كما يتضمن القانون سياسات التوظيف الوطنية التي يتعيين على كافة مؤسسات الدولة التقيد بها عند إجراء عملية التوظيف مثل الجدارة والإستحقاق وتكافؤ الفرص والعدالة والموضوعية التي تضمن ربط الوظيفة العامة بالمواطنة بعيدا عن أي إعتبارات اخرى.
وبموجب القانون تصدر أنظمة من مجلس الوزراء تراعي خصوصية المؤسسات العامة من حيث تسعير الوظائف الحرجة والعقود الشاملة، والحوافز والمكافئات والحراكات الوظيفية، والإجراءات الخاصة بكل دائرة ؛ ومن ذلك حوكمة عملية التوظيف في كافة مؤسسات القطاع العام بما فيها البلديات والجامعات الرسمية ولا ضير أن تسري هذه الأنظمة على الشركات الحكومية وبما يراعي خصوصيتها وإلتزامها بقانون الموارد البشرية والسياسات الصادرة بموجبه.
الأخذ بالخيار الثالث يعني تحقيق مركزية التخطيط للموارد البشرية واللامركزية في توظيفها ، وهذا لا يمنع من عمليات التعهيد لشركات القطاع الخاص في حالات معينة لضمان السرعة والفاعلية في الإنجاز على أن يتزامن مع الأخذ بهذا الخيار إعادة بناء وتأهيل وحدات الموارد البشرية في الدوائر وفق أفضل الممارسات الدولية ، ويتم الإنتقال نحو اللامركزية في التعيين بشكل تدريجي ومتعاقب، كأن يتم تطبيق التجربة في وزارة الصحة أولا ثم الإنتقال لوزارة التربية وهكذا.
وحتى يتم تعزيز حوكمة قطاع الإدارة العامة يتطلب الأمر إعادة النظر بكينونة مجلس الخدمة المدنية، حيث أقترح إحداث تغيرين مهمين في تكوين المجلس بموجب القانون المشار اليه، الأول: أن يقتصر دور المجلس على التوصية لمجلس الوزراء بالسياسات العامة لإدارة الموارد البشرية في القطاع العام وتنميتها والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها وليس إقرارها، والثاني : أن تكون تشكيلة المجلس من خبراء القطاع العام والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني ليعكس التشاركية الحقيقية في صنع السياسات ويكون المجلس برئاسة نائب رئيس الوزراء وفي حال عدم تسمية نائب يكون أعلى الوزراء رئيسا للمجلس.
الأخذ بهذه التوصيات يخفف العبء عن ديوان الخدمة المدنية ويتيح له ممارسة دور أقوى في التخطيط والتنظيم والتطويروالرقابة، وتتاح له فرصة مضاهاة الخدمة المدنية في العالم المتقدم والتي لديها أجهزة للرقابة الإدارية وأو مكتب للمفتش العام، حيث أن مهام هذه الأجهزه تعطى لديوان الخدمة بموجب القانون المقترح بالشكل الذي يمكنه من ممارسة صلاحياته بعيدا عن تدخل الوزراء ورؤساء الهيئات وهذا أفضل ضمان لنجاح الرؤية الملكية بتحديث الإدارة العامة في ولوج الدولة لمئويتها الثانية.
abdqudah@gmail.com
*امين عام وزارة تطوير القطاع العام ومدير عام معهد الادارة العامة سابقا