لحظة فقدان السيطرة.. أين المفر؟
الدكتور رشيد عبّاس
=
بقلم / أ.د رشيد عبّاس
لماذا هرب واستقال بعض خبراء بناء (الوعي الذاتي) للذكاء الاصطناعي؟ ما هي لحظة فقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي؟ أين مكمن الخطر على حياة الجنس البشري؟ هل الذكاء الاصطناعي الواعي سيكون أخر إنجاز للبشرية؟ من هم الذين جعلوا الذكاء الاصطناعي يتمرد على الذكاء الإنساني؟ هل حياة الجنس البشري مهددة بوجود الذكاء الاصطناعي؟
التوقف عند هذه الأسئلة وغيرها هو ما دفعني لكتابة هذه المقالة.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي جعل الآلة تقوم بجميع الأعمال التي يقوم بها الإنسان بسرعة ودقة وإتقان, وأكثر من ذلك قاموا بتزويد آلة الذكاء الاصطناعي بحواس ذكية متعددة الأغراض, وقد أظهرت الآلات الذكية قدرات عالية جداً فاقت قدرات الإنسان, وقد طرح خبراء الذكاء الاصطناعي في السنوات الثلاث الأخيرة سؤالاً في غاية الخطورة, تمثل في كيف يمكن جعل الذكاء الاصطناعي أكثر وعياً من الإنسان؟
بعد أن تمكن الخبراء من جعل خوارزمية الذكاء الاصطناعي تحاكي الذكاء البشري وتتفوق عليه, وقفوا حائرين أمام مسألة قد تجعل حياة الجنس البشري أكثر تهديداً, وذلك من خلال تزويد آلة الذكاء الاصطناعي بـخوارزمية (الوعي), حيث أن مثل هذه الآلات تتقوم ببرمجة نفسها ذاتياً, وتتخذ قراراتها بنفسها, وتعمل على تطور وبناء أهدافها ذاتياً دون تدخل الإنسان, وذلك من خلال خوارزمية الأخلاق والمشاعر, بمعني كيف جعلوا آلة الذكاء الاصطناعي تميّز بين الحق والباطل وبين الحرام والحلال وبين الخير والشر من جهة, وكيف جعلوا آلة الذكاء الاصطناعي تفرح وتحزن تغضب وتكتئب وتضحك وتبكي من جهة أخرى.
إن برمجة آلة الذكاء الاصطناعي بالأخلاق والمشاعر من قبل خبراء ليبراليين سيجعل العالم يقف أمام أسئلة مرعبة لعل من ابرزها: لماذا هرب واستقال بعض خبراء بناء (الوعي الذاتي) للذكاء الاصطناعي؟ ما هي لحظة فقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي الواعي؟ أين مكمن الخطر على حياة الجنس البشري؟ هل الذكاء الاصطناعي الواعي سيكون أخر إنجاز للبشرية؟ من هم الذين جعلوا الذكاء الاصطناعي يتمرد على الذكاء الإنساني؟ هل حياة الجنس البشري في هذا الإطار مهددة ؟
المخاوف والمخاطر اليوم لا تتعلق بقدرة الذكاء الاصطناعي الفائقة على إنجاز وتحقيق الأهداف التي وضعتها آلة الذكاء الاصطناعي لنفسها, إنما تتعلق بوعيها كآلة ذكيّة تفرّق بين الحلال والحرام والخير والشر والمباح وغير المباح, وما يصاحب ذلك من مشاعر فرح وحزن وغضب وبؤس وربما اكتئاب, إضافة إلى قدرتها على الاستقلال التام عن الإنسان الذي برمجها أول مرة, وتخليها تدريجياً عن أوامره التي تراها هي قاصرة في معظم من الأحيان, وأن الجدل القائم اليوم بين مؤيدو ومعارضو الذكاء الاصطناعي تتعلق بقبول أو رفض الخبراء لخوارزمية الوعي في الذكاء الاصطناعي كخطوة أخيرة لجعل هذا الذكاء ذو أخلاق ومشاعر عند قيامها بالأعمال وتحقيق الاهداف.
هناك إشارات تؤكد وجود جملة من التساؤلات الخطيرة في أروقة خبراء الذكاء الاصطناعي والتي تم وضعها بملف سري اسمه ملف لحظة (فقدان السيطرة) والذي تم إخفاءه حتى اللحظة عن أعين المتابعين, إلا أن بعض صفحات هذا الملف قد تسربت بطريقة أو بأخرى, وكانت تتعلق بلحظة تغلب الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري, ومن ثم إلغاء جميع الأعمال والوظائف التي يقوم بها الجنس البشري, ومن ثم تهديد مصير الإنسان في تلك اللحظة.
لا شك أن الأمر مرعب ومخيف, في الوقت الذي تسارع فيه هذا الانجاز الكبير بجميع أبعاده بشكل كبير خلال الخمس سنوات الأخيرة, وأن ما تم إنجازه وما سينجز في مجال الذكاء الاصطناعي (AI), ومجال chat GPT, ومجال التحول الرقمي, ومجال العالم الافتراضي في السنوات القليلة القادمة, قد يفوق تصور وخيال العقل البشري.
العالم قلق ومتخوف وينتظر كل ما هو جديد, فهو أمام الآلات ذكيّة عديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي بكل وعي, مزوّدة بخوارزميات اخلاق ومشاعر ذاتية العمل وتخلف عن أخلاق ومشاعر الجنس البشري, وقادرة على تطوير وبرمجة قدراتها الالكترونية ذاتياً,..نعم العالم يستعد لاستقبال الذكاء الاصطناعي (AI), وchat GPT, والتحول الرقمي, والعالم الافتراضي, ونتساءل هنا: كيف يستعد العالم العربي لاستقبال الذكاء الاصطناعي وملحقاته؟ في الوقت الذي فيه لغة هذا الذكاء ليست من لغتنا, وأن اخلاق ومشاعر هذا الذكاء ليست من اخلاقنا ومشاعرنا؟ فلغة واخلاق ومشاعر هذا الذكاء ليبرالية المنشأ, مع الإقرار أننا لا نستطيع غضّ الطرف عن كل ما يجري حولنا, فنحن جزء لا يتجزأ من هذا العالم, نؤثر فيه ونتأثر به.
نعم, الذكاء الاصطناعي وبفضل خوارزمية (chat GPT) كأحد أذرع الذكاء الاصطناعي بمقدورها الإجابة عن ملايين التساؤلات في نفس اللحظة في أي مكان وزمان دون تأخير أو تأجيل يُذكر, ودون تلاعب بالمعلومات والبيانات, ودون أي تحفظ, كيف لا ولدى (chat GPT) القدرة الفائقة على جمع وتحديث كافة المعلومات والبيانات من حول العالم, ومن ثم إعادة صياغتها من جديد.
لقد توصل الخبراء إلى جعل الجانب الانفعالي في الذكاء الاصطناعي أكثر (توازن) منه عند الذكاء الإنساني, وذلك من خلال ضبط ما يسمى بحزمة الأعصاب الذكيّة لدى الذكاء الاصطناعي والمسؤولة عن جميع ردود الفعل المتعلقة بالخير والشر والحلال والحرام من جهة, وبالفرح والحزن والغضب والبؤس والاكتئاب من جهة أخرى, وأن ردود الفعل المباشرة وغير المباشرة في الذكاء الاصطناعي أظهر تفوق كبير عن ما هو عليه في الذكاء الإنساني من حيث الدقة والسرعة والاتقان, وذلك نتيجة لشعور واحساس الذكاء الاصطناعي بالمسؤولية الكبرى تجاه تحقيق الأهداف التي قام هو ببنائها ذاتياً.
أشار بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي بوعيه الذاتي سيكون أخر إنجاز للبشرية على هذه البصيرة, وسيتمرد في قادم الأيام على الإنسان الذي قام بتدريبه على الخوارزميات كالتنبؤ مثلاً, وربما يتحكم هذا الذكاء بالإنسان وينقلب عليه, متجاوزاً بذلك جميع الحدود, مما يجعل حياة الانسان مهددة بالخطر, كون هذا الذكاء لا يتلقى أؤامره من الإنسان, بل يصمم أوامره ذاتياً.
لقد كتبتُ هذه المقالة وأنا (كما أنتم) قلق ومتخوف ومتفاجئ من جميع التطورات السريعة في هذا المجال, كتبتها وأنا متابع لكل صغيرة وكبيرة لهذا الذكاء, وأن هذه المستجدات باتت اليوم واقع ملموس لا يمكن غضّ الطرف عنها.
قال تعالى: (ويسألونك عن الرّوح قل الرّوح من أمر ربّي وما أوتيتم من العلم إلّا قليلا) صدق الله العظيم.
وبعد..
لحظة فقدان السيطرة.. المفر إلى الله.