لماذا جمد الرئيس بايدن صندوق تمويل اتفاق ابراهام ؟
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
في أيلول من عام 2020 تم توقيع الاتفاق بين إسرائيل والإمارات والولايات المتحدة معلنا بداية مسار جديد من التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية وبحسب بنود الاتفاق كان من المفترض أن يقوم الموقعون عليه بتمويل الصندوق الخاص به إلى جانب بعض الدول الأخرى التي كان من المأمول أن تنضم لاحقاً وذلك من أجل تمويل مشاريع اقتصادية مختلفة كان يرجى لها أن تمنح الاتفاق جانباً مغرياً للانضمام في ظل الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تعانيها دول المنطقة
الا انه وضمن خطوات متلاحقة لإدارة الرئيس بايدن قام المسؤولون الديمقراطيون فور تسلمهم سدة الحكم بتجميد الموارد المالية لتمويل ( صندوق اتفاق أبراهام ) وذلك بهدف وقف مسارات السلام في الشرق الأوسط التي تشكلت وفق رؤية وتخطيط ورعاية الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب وصهره جاريد كوشنر
وفي سبيل تلك الغاية لم تسمي وزارة الخارجية الأمريكية الاتفاق باسمه السابق وإنما استعاضت عنه بمصطلح ( اتفاقيات التطبيع ) في الشرق الأوسط
كما لم تعين إدارة الرئيس بايدين بديلاً من الحاخام اليهودي ( أرييه لايتستون ) بعد استقالته عقب خروج ترامب من البيت الأبيض والذي كان يرأس الصندوق منذ بداية إطلاقه في المقابل سارعت ادارة بايدن بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وهو ما استثار حفيظة إسرائيل وخصوصاً التيار اليميني المتطرف فيها والذي يعارض ذلك بشدة
تجميد الذراع الاقتصادية لاتفاق أبراهام يعني ان الاتفاق قد دخل في حالة الموت السريري خاصة وأن الجانب العسكري منه كان قد أصابه الشلل سابقاً مع فشل تشكيل ( الناتو العربي – الإسرائيلي ) في الوقت الذي يترنح فيه جانبه الدبلوماسي على وشك السقوط فبعد كل من المغرب والسودان لم تدخل أي دول عربية في الاتفاق حتى الآن ناهيك عن أن العلاقة بين الموقعين لا تجري على أحسن حال ففي جانب حماسة رجال الأعمال الإماراتيين على سبيل المثال بدأ الضمور واضح في حجم الانخراط في انجاز المشاريع والأعمال التجارية مع نظرائهم الإسرائيليين
مهندسو اتفاق أبراهام سعوا جاهدين لأن يكون اتفاقهم محاولة منهم لإعادة تجربة حدثت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية الحرب الباردة في اوروبا في تلك الفترة كانت الولايات المتحدة بحاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة لمنع تمدد الاتحاد السوفييتي وكذلك منع سقوط مزيد من الدول في الفلك الشيوعي خصوصاً دول أوروبا الغربية
من هنا انطلقت ( استراتيجية الاحتواء ) في بعديها العسكري متمثلاً بتشكيل حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) والاقتصادي متمثلاً بـ (مشروع مارشال ) الذي هدف إلى إعادة عجلة الاقتصاد إلى دول أوروبا الغربية التي دمرتها الحرب من أجل منع الأحزاب الشيوعية من استغلال حاجات الناس وبالتالي التوجه إلى أحضان المعسكر الاشتراكي الذي كان يعِدهم بالمن والسلوى والسمن والعسل في ذلك الوقت العصيب
وبالفعل فقد نجحت استراتيجية الاحتواء تلك في عديد من الاختبارات الجوهرية التي واجهتها ففي غضون أقل من عشرين سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية كان اقتصاد دول غرب أوروبا في قمة اقتصادات العالم تطورا ونماءا وقد شكل النموذج الألماني استثناء كانت تضرب به الأمثال أما حلف الناتو فقد استطاع عبر التدخل العسكري المباشر منع تمدّد الجيش الروسي الأحمر ليس في غرب أوروبا وحسب بل أيضاً في دول شرق آسيا من خلال الحرب الكورية التي منعت الجزيرة أن تكون لقمة سائغة في يد الشيوعيين رغم ضراوة المواجهة والقتال
تماما على غرار هذا النموذج كان مخططو اتفاق أبراهام يسيرون مع تغير اللاعبين وظروفهم فهذه المرة لم يكن الاتحاد السوفييتي من تحتاج الولايات المتحدة إلى احتوائه بل ( إيران ) ولذلك روج للكثير من التسريبات عن عزم إدارة الرئيس دونالد ترامب تشكيل تحالف شبيه بالناتو من دول ( شرق أوسطية ) لوضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة يتضمن إسرائيل ودول الخليج على رأسهم السعودية ومصر والأردن
في ذات السياق نجد ان صندوق أبراهام كان محاولة مقصودة لنسخ تجربة مشروع مارشال من خلال ضخ مئات الملايين في اقتصاديات دول المنطقة من أجل تدوير عجلة الاقتصاد فيها ومنعها من السقوط لُقمَة سهلة في أحضان الدول المناوئة لسياسات امريكا والغرب على رأسها إيران التي باتت تتمتع بنفوذ اقتصادي كبير في كل من ( سوريا والعراق ولبنان ) فضلاً عن المساعي الامريكية السابقة بمحاولة وضع حد للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي عبر النافذة الاقتصادية من خلال بث وعود تمنيهم بحياة رغيدة للفلسطينيين في حال قبلوا بالاتفاق واستسلموا للأمر الواقع الذي تحاول إسرائيل فرضه عليهم هذه المرة بقوة الدولار وليس بحمم الطائرات وقذائف الدبابات وصواريخ المسيرات
بعد سقوط الرئيس السابق ترامب وتوقف صفقة القرن وتراجع مشاريع التطبيع أثر كل ذلك على واقع اتفاق أبراهام وجعله يسير مكرها في طريقة للفشل في حين نجحت استراتيجية الاحتواء وقد جاء هذا الفشل نتيجة العديد من الأسباب الموضوعية والتي من أبرزها أن هذا الاتفاق لم يكن مدعوماً بالأجماع من قبل دوائر صنع القرار في واشنطن على عكس استراتيجية الاحتواء التي بقيت على مدار أكثر من سبعين سنة تمثل السياسة الرئيسية وربما الوحيدة في تعامل الإدارات الأمريكية مع الاتحاد السوفييتي ثم بعد ذلك كوبا وايران
كافة المعايير في التحليل السياسي الموضوعي تشير الى غياب عنصر الإجماع عن اتفاق أبراهام بما فيها إلغاء التمويل للصندوق من ناحية وعودة الرئيس بايدن إلى فكرة حل الدولتين كأساس لعملية السلام في المنطقة دون اعطاء الاهتمام الكافي لمفهوم ( السلام الاقتصادي ) كما كانت تريد الإدارة السابقة اضافة الى عودة العلاقة الأمريكية مع الفلسطينيين من خلال إعادة فتح مكتب ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن من ناحية أخرى
والأكثر أهمية من كل ذلك هو أن سياسة إدارة الرئيس بايدن تجاه إيران بدأت تأخذ شكلاً مغايراً كليا عما كانت عليه إدارة الرئيس ترامب حيث أعادت واشنطن التفاوض المباشر والخيار الدبلوماسي في التعامل مع إيران حول مشروعها النووي وأزالت أي شروط مسبقة لمباشرته وأبدت استعدادها للعودة إلى بنود الاتفاق النووي السابق في حال التزمت إيران مقتضيات الاتفاق وقامت بالمواجهة الصريحة واتخاذ العديد من الإجراءات الكافية لإعادة بناء الثقة بين البلدين
وزيادة على ذلك فقد قامت السعودية بإسقاط الفيتو عن عودة الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي وهو الأمر الذي وضع إسرائيل في زاوية حرجة ودفع الكثير من المحللين إلى اعتبار ان إسرائيل اصبحت في موضع فقدت فيه بعض أوراق القوة لديها للضغط والتأثير في مجريات الحوار مع الإيرانيين في فيينا رغم كل محاولاتها التي لا زالت مستمرة بالضغط والتهديد والعربدة والمؤامرات الا ان ايران بقيت تسير بخطوات قوية وراسخة في تعزيز دورها ومكانتها ضمن محور الدول النووية التي ستكون متفوقة عالميا
mahdimubarak@gmail.com