ماذا بعد سقوط ذريعة الحرب على الإرهاب؟
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
مصطلح الحرب على الإرهاب كان العنوان الفضفاض الذي استخدمته الولايات المتحدة الأمريكية كحجة وذريعة لتجسيد نزعتها الإمبراطورية للهيمنة على العالم والذي اصبح حربا مفتوحة لمواجهة الدول والقوى والمنظمات المدرجة أمريكيا على قائمة الإرهاب المزاجية الاعداد والإخراج
أطلق الرئيس الأمريكي الاسبق جورج بوش الابن في تشرين الأول 2001 حربه ضد الإرهاب باجتياح أفغانستان ووعد حينها بمطاردة ما اسماهم بالإرهابيين حتى أحلك المناطق وابعدها في هذا الكوكب وقال أمام الكونغرس في تبرير مسعاه لهذه الحرب إنهم يكرهون حرياتنا الدينية وارادتنا في التعبير وفي الانتخاب والتجمع والاختلاف مع بعضنا البعض وما يرون في هذا المجلس من حكومة منتخبة ديموقراطيا وقد استعمل الصدمة التي تسببت فيها هجمات 11 سبتمبر لتعبئة الرأي العام ضد عدو جديد هو الإرهاب والذي كثيرا ما كان يتم خلطه بالإسلاموية أو حتى بالمسلمين انفيهم كما بدأ بوش وعصابة الانجيليين الجدد والمتعصبون البيض بالتغني بانتصاراتهم المزعومة بالقضاء على الشر الدولي المزعوم بخبث ودهاء
هذه الحرب التي شنتها أمريكا على ما اسمته بالإرهاب بعد عقدين من الزمن كشفت عن حجم الخسائر المادية والبشرية الفادحة التي تكبدتها أمريكا في العراق وأفغانستان ( ما يقارب 7 تريليون دولار) وبهذا لم تعد قادرة على تحمل المزيد من تكاليف تلك الحرب ما يعني أن تلك الذريعة لم تعد منتجة او مجدية للنزعة الإمبراطورية الأمريكية المتوحشة في بسط هيمنتها الخارجية على كثير من المناطق في العالم
ما يثير التساؤل هل ما زالت فاعلة أم إنها فشلت وسقطت بالفعل بعد تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على وما مدى تأثيرها على الحد من نشاطاتها الخارجية والانكفاء الى الداخل أم إن واشنطن ستبحث عن ذريعة جديدة لمواصلة هيمنتها الخارجية الحقيقة الثابتة أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في حربها على الإرهاب فشلت فشلا ذريعا فها هي بعد عقدين من الزمن والقتال والتدريب والتسليح وإنفاق التريليونات (88) مليار دولار ذهب كل ذلك أدراج الرياح بعد سقوط الجيش الأفغاني وسيطرة طالبان
رغم كل ما فعلته أمريكا في أفغانستان إلا أنها لم تستطع أن تبني دولة وفق النموذج الأمريكي وبقي الإرهاب الذي جاءت لمحاربته موجودا بل عادت طالبان بقوة أكبر وثبات أشد وهي التي تصنف أمريكيا من التيارات الإسلامية المتطرفة فقد أرغمت أمريكا على التفاوض معها وهي التي تتولى الان مقاليد إدارة البلاد ومن الطبيعي أن ينعكس ذلك الفشل على سياسات أمريكا الخارجية ويجعلها تميل إلى الانكفاء على الداخل المثقل بالصراعات والخلافات
أمريكا إعادة ترتيب أوراقها واولوياتها والتحديات الكبرى التي تواجهها لتكون أشد صلابة وقوة في مواجهة قوى عظمى كالصين التي باتت تنافسها اقتصاديا على المسرح العالمي بوصفها لاعبا رئيسيا من حيث حجم التجارة الخارجية وتدفق الاستثمارات حيث لم تعد هي اللاعب الوحيد ومن المحتمل جراء ذلك ان يتقلص الوجود الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي لصالح منطقة شرق آسيا
أما على الصعيد الداخلي فثمة تحديات اقتصادية كبيرة وهناك تحولات في الداخل الأمريكي وانقسام بين الجمهوريين والمحافظين فأمريكا تعاني وتواجه تحديات صعبة داخليا وخارجيا وان الحسابات ستكون أكثر تعقيدا في المستقبل حتى القريب
ووفقا للعديد من الخبراء في الشأن الأمريكي ان ذريعة الحرب على الإرهاب سقطت منذ سنوات خلت مع انتهاء ولاية جورج بوش الثانية ومجيء باراك أوباما إلى الحكم عام 2009 برؤية فلسفية بحتة يرى فيها بأنه لا توجد دولة على مدار التاريخ استطاعت أن تحافظ على حجم التدخل العسكري الذي كانت عليه أمريكا وكذلك على ازدهارها الاقتصادي واستقرارها الداخلي
ولهذا كان أوباما يتبنى فكرة ضرورة إعادة أمريكا نظرتها في حروبها الخارجية وتحديدا الحرب على الإرهاب التي اعتبرها حرب هلامية لا جدوى منها ولا معنى محدد لها وهو ما دفعه إلى تجاوزها في إدارتيه الأولى والثانية ليس من الناحية الأيديولوجية فقط وإنما من الناحية العملية أيضا حتى لا تبقى أمريكا تخوض حروبا مستمرة ة ولا نهائية لها
بسبب عدم تحديد من هو العدو الإرهابي وما هي الشروط والمعايير التي يجب توافرها فيه حيث أراد أوباما فعلا تطبيق ذلك في العراق وأفغانستان واستطاع أن ينسحب من العراق آخر عام 2011 لكنه فشل في الانسحاب من أفغانستان بسبب معارضة وزارة الدفاع الأمريكية له ومنذ ذلك الوقت بدأت تلك المعادلة بالاهتزاز وبدأت أمريكا تواجهه تحديات كبيرة بعد ظهور المقاومة المسلحة في كل من العراق وأفغانستان وهو ما اضطرها إلى زيادة قواتها العسكرية بعشرات الألوف على عدة مراحل
الى ان جاءت إدارة جديدة برئاسة الرئيس ترامب أرادت أن تعيد مصطلح الحرب على الإرهاب والإسلام الأصولي المتطرف واستطاعت بالفعل فرضه من جديد بعد جدل كبير في أمريكا خاصة في وزارة الخارجية والأجهزة الاستخباراتية التي كانت تعارض ذلك كليا
لكن لم يتم تطبيقه بشكل أيديولوجي لأن ترامب كان يؤمن بأن على أمريكا ألا تتورط في حرب لا نهائية لأن ذلك يستنزف قدراتها وإمكاناتها وفي الوقت نفسه يسعد قوى اخرى مثل الصين تحديدا وروسيا بدرجة ثانية وكانه يقارب في ذلك ما كانت عليه إدارة أوباما لكن الأخيرة كانت أكثر توازن وانضباط
اما عن سياسات الرئيس بايدن وقرارته الحالية بهذا الخصوص فهو يقوم بإغلاق للدائرة فقط ويفعل ما عجز عنه كل من أوباما وترامب من منظوره لهذه الحرب بانها مكلفة جدا وبلا أفق وقد استنزفت القوى الأمريكية بشكل كبير وليست المسألة عنده بأن أمريكا تعيد النظر في حربها على الإرهاب بل تؤكد أنها وصلت إلى طريق مسدود في حربها على عدو مفترض وهلامي وفضفاض استنزف قواها مع وجود قوى عظمى أخرى تتربص بها كالصين وروسيا
الحرب الوهمية المسماة بالحرب على الإرهاب هي آخر وهم لأمريكا والغرب اللذان يرفضان القبول بوضع العالم الجديد ويرغبان في تحويل مجرى التاريخ تحت هذا الشعار الرنان والسخيف في آن واحد
هذه المناورات الأممية التي لا تخدع أحدا لان الحرب هي امتداد للسياسة بطرق أخرى حتى الحملات الصليبية التي تم شنها ضد الإسلام كانت تحمل هدفا واضحا وهو تحرير قبر المسيح لا هداية العالم بأسره إذا ما هو التقييم الصحيح للحرب على الإرهاب وما هي اهدافها التي ستقود إلى الانتصار والقضاء على الارهاب
التعريف الواسع للخطر الإرهابي الذي تبنته إدارة بوش كان خليط مبهم ساهم في تعدد الأعداء والدول المارقة وضبابية الأهداف والفشل المتكرر للحرب على الإرهاب برغم أنه صبّ في مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأمريكي الذي ندد به قديما الرئيس دوايت أيزنهاور
إن الهزيمة الأمريكية النكراء في أفغانستان وهي كذلك هزيمة بالنسبة لعدد من البلدان الأوروبية حتى وإن لم تكن من أصحاب القرار كما رأينا ذلك خلال عمليات إجلاء كابول تعني فشلا ذريعا آخر يضاف إلى المحاولات الغربية المتواصلة لإعادة الهيمنة على العالم بصورها المتنوعة
إن رفض الهيمنة الأجنبية أصبح القاعدة حتى وإن تزيّنت هذه الهيمنة بخطابات الديموقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان فلا شك أن الولايات المتحدة ستبقى لعقود أخرى قوة أساسية لكنها لم تعد اليوم تملك الوسائل الكافية لتسيير العالم كما تريد سياسيا واقتصاديا وعسكريا
حتى لو كانت قادرة على فرض قوتها التدميرية الرهيبة فان الحرب على الإرهاب اصبحت آخر وهم لهذا الغرب المتوحش الذي يرفض القبول بوضع العالم الجديد ويرغب في تحويل مجرى التاريخ الى مسارات خيالية وافتراضية رغم ان السعي لتحقيقها لن يؤدي إلا إلى تفاقم الفوضى العالمية وتغذية منطق وفكرة صراع الحضارات وزعزعة استقرار عدد من المجتمعات بما فيها الغربية ذاتها من خلال تقسيمها على أسس ومعايير دينية متناقضة وغير منضبطة
mahdimubarak@gmail.com