ماهي الدوافع الحقيقية للرئيس اردوغان لاستعادة العلاقات مع دمشق ؟


مهدي مبارك عبدالله

الفيلسوف اليوناني القديم افلاطون قال ( الاحمق هو الذي لا يغير رأيه ويبقى مشبع بالشحن الايديولوجي واسير للمواقف الثابتة ) واخيرا ومن جديد سوف تتحقق المقولة الشهيرة (عدو الامس هو صديق اليوم ) هكذا هي السياسة فلا شيء فيها يدوم الى الأبد والثابت الوحيد فيها انها متغيرة ونحن بانتظار حدث تاريخي يرسم معالمه قريبا السعي التركي لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق والمقطوعة منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011

على هامش مشاركة الرئيس التركي ،رجب طيب أردوغان في قمة حلف شمال الأطلسي الناتو الاخيرة وكذلك بعد عودته من زيارة لألمانيا في 7 تموز الحالي صرح إنه يعتزم توجيه دعوة للرئيس السوري بشار الأسد في أي لحظة لزيارة تركيا او عقد اجتماع بينهما في تركيا أو دولة ثالثة وقد أصدر توجيهاته لوزير خارجيته ” حقان فيدان ” من أجل التواصل مع دمشق في هذا الشأن لترتيب الاجتماع وأن بلاده تنتظر اتخاذ الرئيس السوري الأسد خطوة اولية لتحسين العلاقات معها حتى تستجيب بالشكل المناسب

وقد اعتبر اردوغان أن تركيا المستفيد الأكبر من السلام العادل في سوريا ولا يوجد أي سبب لعدم إقامة علاقات معها كما اشار إلى استعداد أنقرة لتنفيذ الشرط السوري المعلن والمتمثل في سحب تركيا قواتها من شمال سوريا وذكر ايضا أنه عقد في السابق لقاءات عائلية مع الأسد ولا يستبعد تجدد هذه اللقاءات في المستقبل القريب وفي السياق ذاته أبدى زعيم المعارضة التركية رئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل استعداده للتوسط بين الأسد وإردوغان للجلوس معاً إلى طاولة المفاوضات

الانعطافة الحادة في الموقف التركي التي ظهرت مؤخر اثارت الاستغراب الكبير لدى المتابعين والمراقبين خصوصا وأن جميع التصريحات السابقة لأردوغان كانت تؤكد رفضه القاطع لإعادة العلاقات مع النظام السوري بل تجاوز ذلك إلى تحذيره العالم من خطورة بشار الأسد ونظامه والتشديد على دعم الشعب السوري ليتخلص منه كدكتاتور وفي خطاب له في 10 تشرين الأول 2014 وصف بشار الأسد بالمجرم والإرهابي وانه يمثل خطرا أكثر من تنظيم داعش وكان دائما في حديثه ولقاءاته المتكررة يتساءل كيف يمكننا أن نتطلع إلى المستقبل مع رئيس سوري قتل قرابة مليون من مواطنيه كما أكد مرات عديدة وبوضوح أن أمن الأناضول يبدأ من دمشق وأن كل عسكري سوري يقترب من الحدود التركية سيعامل على أنه عدو فالنظام السوري لم يعد يشكل خطرا على شعبه فقط وإنما على تركيا والدول المجاورة ناهيك عن وقوفه في صف الفصائل المعارضة المسلحة في سوريا وكان آخرها ما يُعرف بالجيش السوري الوطني في حين استعان الأسد بحلفائه في إيران وروسيا لمواجهة قوى المعارضة والدول المساندة لها

مشاركة روسيا كانت أمر حاسم في تشكيل مسار العلاقات بين أنقرة ودمشق والتي تعتبر أحد أقوى داعمي الأسد والتي لها في الوقت نفسه علاقات وثيقة مع تركيا حيث دفعت بزخم كبير في رعاية المباحثات وضغطت بالتنسيق مع العراق وايران من أجل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لان تحقيقها للمصالحة بين البلدين سيعمل على تحسين صورتها كطرف نجح في نهاية المطاف بمهمته اضافة الى رغبتها في تثبيت قواعد التوازن ضد القوى الأخرى وخاصة الولايات المتحدة لتعزيز موقفها في الشرق الأوسط ولهذا ومنذ البداية توسطت لعقد اجتماع بين وزير الدفاع التركي والسوري وبمشاركة وزير الدفاع الروسي في موسكو العام الماضي في أول لقاء وزاري بين تركيا وسوريا منذ عام 2011 حيث تعهد الروس بتقديم الضمانات اللازمة للجانبين إلا أن المحادثات في حينه لم يكتب لها النجاح وعقبها واصل مسؤولون سوريون انتقادهم علنا للوجود التركي في شمال غرب بلادهم كما صرح الرئيس الأسد في مقابلة له مع شبكة سكاي نيوز عربية في اب الماضي بأن هدف اردوعان من محاولات التقارب مع سوريا هو ( إضفاء الشرعية ) على الاحتلال التركي في سوريا

العراق ايضا الذي تشترك حدوده مع تركيا وسوريا عرض مؤخرا القيام بدور وساطة بين البلدين كما فعل سابقا بين الخصمين الإقليميين السعودية وإيران وهدفه من ذلك التواصل الايجابي مع تركيا لتخفيف التهديدات المتواصلة بالتوغل داخل الاراضي العراقية لمهاجمة عناصر حزب العمال الكردستاني الذي يشن حرب ضدها منذ الثمانينيات وله قواعد في شمال العراق حيث نفذت تركيا عدة عمليات عسكرية عبر الحدود ضد مسلحين تقول إنهم يهددون أمنها القومي وأقامت منطقة آمنة في شمال سوريا تتمركز فيها قوات تركية حاليا كما لا زالت الفصائل الموالية لتركيا تسيطر في سوريا على شريطين شاسعين من الأراضي على طول الحدود

الوضع الجيو سياسي في المنطقة وفي ظل استمرار حرب غزة ومخاوف من تحولها إلى صراع إقليمي أوسع وشعور تركيا وسوريا بعدم الأمان ربما جعلهما يسعيان إلى إقامة تحالفات جديدة في مواجهة أي تأثير إقليمي محتمل للحرب المرتقبة كما يرجح البعض أن إردوغان بعدما اصبح يواجه أوضاع ضاغطة داخليا من المعارضة لإعادة العلاقات مع سوريا وحل مشكلة اللاجئين السوريين الذين يتجاوز عددهم 3 ملايين والتي لعبت دورا كبير في خسارة أصوات حزب إردوغان في الانتخابات المحلية الأخيرة لاسيما مع تزايد مشاكلهم واشتباكهم مع المواطنين الأتراك

بالإضافة إلى سعي تركيا للتنسيق والتعاون مع دمشق لحل أزمة التنظيمات الكردية المسلحة شمال سوريا وعلى راسها قوات سوريا الديمقراطية والتي تعتبرها تركيا خطرا على أمنها القومي وكذلك حاجة تركيا إلى إشراك دمشق في استراتيجيتها الجديدة لمكافحة الإرهاب على غرار العراق والاستعداد لأي تحول محتمل في الموقف الأميركي في سوريا في حال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض وهنالك العديد من العوامل السياسية والإقليمية ذات الصلة بالسياسة التركية الداخلية والخارجية والتي يتنافس عليها حزب العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري وفي النهاية اتجهت انقره للبحث عن مصالحها الوطنية العليا بدلا عن المواقف السياسية والإيديولوجية المستهلكة والتي لم تجدي نقعا عبر السنوات الطويلة

أما قي الجانب السوري فيعد استئناف العلاقات مع تركيا خطوة متقدمة نحو إنهاء عزلة النظام السياسية في المنطقة بعدما ظل محاصر لأكثر من عقد عقب حملة القمع ضد المتظاهرين عام 2011 ومزاعم بارتكاب جرائم حرب ورغم خلافات البلدين حول الوجود التركي في شمال غرب سوريا فإن لدى دمشق وأنقرة مصلحة مشتركة في الحد من الحكم الذاتي للأكراد في شمال شرق سوريا وفي حال الانسحاب التركي من الاراضي السورية ربما لا تكون دمشق قادرة الان بسبب ظروفها الصعبة على فرض سيطرتها العسكرية في المنطقة لوحدها

الصحيح ان البلدين يأملان من التقارب والمصالحة تحقيق مكاسب اقتصادية ولو متواضعة ورغم أن التجارة لم تتوقف بينهما على الإطلاق إلا أنها تجري حاليا من خلال وسطاء في حين يسمح استئناف العلاقات الدبلوماسية بالقيام بعمليات تجارية رسمية مع ما يرافق ذلك من ان تركيا لازالت تشعر بالقلق من احتمال تدهور الوضع الأمني في شمال شرق سوريا في حال سحبت واشنطن قواتها المتمركزة هناك حاليا في إطار تحالفها ضد داعش وهذا يتطلب من تركيا التعاون أو على والتنسيق مع النظام السوري لمعالجة تبعات الانسحاب الأميركي المحتمل

وفي الاطار ذاته لا يرجح كثير من المحللون أن تؤدي المحادثات إلى انسحاب تركي كامل من شمال غرب سوريا الذي تطالب به دمشق أو إلى أي تحول كبير آخر على الأرض في المستقبل القريب رغم أن مصالح البلدين المشتركة تتلاقى فعليا إلى حد كبير إلا أن هناك خلافات واسعة والكثير من الذكريات السيئة المؤلمة والمريرة في النفوس التي قد تعرقل ابرام الاتفاقيات الكبيرة نتيجة المحادثات الحالية لكنها قد تسفر عن بعض من إجراءات بناء الثقة بيتهما

الرئيس السورية بشار الاسد امام الدعوات المتكررة من قبل الرئيس التركي اردوغان لعقد لقاء بينهما أظهر بادرة إيجابية لكسر الجمود خلال لقاءه مؤخرا مع مبعوث الرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف حيث إعلن رغبته بالانفتاح على جميع المبادرات المرتبطة بالعلاقة بين سوريا وتركيا على إن تكون مستندة لسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها ومحاربة الإرهاب وتنظيماته المسلحة وحتى الان لم يتطور موقفه إلى مستوى الاندفاع التركي ولم يجب الاسد ولا مؤسساته الرسمية بالسلب أو الإيجاب ربما لان تركيا تعاني اليوم من اوضاع صعبة ويتطلع السوريون بحرص إلى المزايا السياسية والاقتصادية للتطبيع معها ولهذا يسعون إلى حصد أكبر قدر من المكاسب قبل منح إردوغان ما يحتاجه ولا يعرف حتى الآن ما إذا كان الأسد وإردوغان سيلتقيان في المرحلة المقبلة في تركيا أو في دولة ثالثة وهناك احتمال أن تستضيف موسكو اجتماع إردوغان والأسد بعد وضع اللمسات الأخيرة للمرحلة الجديدة

وفي ذات السياق صرح الرئيس الاسد يوم الاثنين الماضي خلال إدلائه بصوته في انتخابات أعضاء مجلس الشعب قائلا ( من موقعي ومن موقعه كمسؤولين في قمة هرم السلطة في بلدينا إذا كان اللقاء يؤدي لنتائج أو إذا كان العناق أو إذا كان العتاب أو إذا كان تبويس اللحى كما يُقال باللغة العامية يحقق مصلحة البلد فأنا سأقوم به ولكن المشكلة لا تكمن هنا تكمن في اللقاء وإنما تكمن في مضمون اللقاء وطرح اللقاء وقد يكون هام باعتبار ان اللقاء هو عبارة عن وسيلة لتحقيق هدف فما هو الهدف لم نسمع ما هو الهدف لحل المشكلة حتى الان ) وهذا كلام حق وموزون وذو ابعاد ومطالب مشروعة

الحديث الجديد عن إمكانية عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق إلى سابق عهدها أرسل موجات من الخوف في أوساط اللاجئين السوريين في تركيا من أن تقدم الحكومة التركية على إعادتهم قسرا إلى سوريا حيث قد لا تكون البيئة آمنة بالنسبة لهم خاصة وأن السعي لإعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق جاء بعد أسبوع فقط من موجة عنف ضد المهاجرين السوريين في تركيا أصابتهم بحالة من الذعر نفذها العشرات من الأتراك بولاية قيصري وسط تركيا التي يقيم بها أكثر من 82 ألف لاجئ سوري حيث اعتدوا بالضرب وحرق محال وسيارات للسوريين كما سرى الترقب والخوف ذاته في بين العديد من الجماعات الانفصالية المسلحة في سوريا التي تدعمها انقرة ودمشق والتي سيتأثر نشاطها ووجودها سلبا مع أي اتفاق او مصالحة بين البلدين

اخيرا وبحسب تقديرات عديدة رجحتها بعض الأوساط العربية تفيد بأن يكون الرئيس التركي أردوغان حصل على ضوء أخضر من قطر لدعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى زيارة تركيا بعد سنوات من القطيعة والعداء رفضت قطر خلالها ركوب قطار التطبيع مع سوريا قبل سنة ولم تؤيد عودتها للجامعة العربية نامل ان يلتقي الاخوة على تفاهم مشترك وتعاون متبادل يخدم الشعبين والبلدين في ظل ظروفهما الصعبة

كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.