مجاملات تتجاوز حدود المعقول
الشاعر الدكتور محمد القصاص
–
سأتطرق في هذا المقال إلى موضوع هام، قد يلاحظه كثير من المثقفين اليوم، إلا أنني فكرتُ كثيرا قبل أن أكتب، حتى لا أجعلَ مجالاً لأولئك الذين قد يَمَسُّهم هذا المقال من قريب أو من بعيد، بأن يتّخذوا مني موقفا معاديا، ظنَّا منهم بأنني أتعمدُ الإساءَةَ لهم لأي سببٍ كان.
من قراءاتي لكثير من الكتابات التي تظهر على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أجد بأن معظمها ينقصها أهمّ العناصر التي يجب ألا يغفلَ عنها الكاتب أو الكاتبة، حتى لا يكون موضوع الكتابة سببا لسُخرية بعض المثقفين واستهزائهم، وأهمّ هذه العناصر هي: أولا.. الأسلوب اللغوي، الثاني.. الأسلوب الموضوعي للمقال. الثالث.. الأسلوب التشويقي وأن يكون مقالا هادفا له دلالته وله معناه.
أما الأسلوب اللغوي، فهو أن يتنبَّهَ الكاتبُ أو الكاتبة إلى صحة اللغة التي يكتبُ بها ، وخلِّوها من الأخطاء اللغوية والإملائية . أما الأسلوبُ الثاني فهو اختيار المقال بحذر شديد كي يكون نافعا ومفيدا للقارئ إلى الحدِّ الذي يجعلَه غير نادمٍ على قراءته، وأما الأسلوب الثالث فهو الأسلوب التشويقي الذي يشدُّ القارئ للمقال ، بأن يكون هذا المقال جديدا ، أو حتى لو كان إعادة لموضوعٍ سابق يعيد إلى الأذهانِ سرد موضوعٍ مهمٍّ من تاريخنا الأدبي الجميل ، حتى إذا قام القارئ بوضع تعليقه على المقال يضعه بصدق وبكل إعجاب واحترام . لا مجاملةً وافتراءً وكذبا.
ما أراه اليومَ من مقالات فارغة من المعنى والأسلوب ، مفتقرةً إلى جزالة اللغة وعمق المفردات ، عدا أنَّها تحتوي على الكثير من الأخطاء والأغلاط ، إلا أنها للأسف لها قرَّاؤها ومعجبوها من السطحيين ، أولئك الذين يُمطرون عليها بتعليقاتهم الرخيصة والتي تتجاوز حدود المعقول ولا تَمِتُّ إلى الحقيقةِ بصلةٍ أبدا ، بل إنَّ كثيراً من المعلقين ، يضعون تعليقاتهم بابتذال شديد ، بعيدا عن الواقع والمعقول ، لأنها تعليقاتٌ لا معنى لها ، وأمَّا إنْ كان الكاتبُ امرأةً على قدرٍ لا بأس به من الجمال ، ففي هذه الحالة يكون التعليق أكثر مبالغة بعيدا عن الحقيقة مشوبا بالابتذال ، وكثيرٍ من المبالغة والتهويل ، في حين أنَّ المقال قد لا يستحق حتى مجرد النظر به أو القراءة ، لا من حيث المضمون ولا من حيث المعنى ولا من حيث التشويق.
إن الحقائق التي أشاهدها اليوم ، لا يمكن لأي أديبٍ أو مفكرٍ كانت لديه مصداقية ، أن ينظر إلى تلك المقالات أو يعطيها أي اهتمامٍ أبدا ، والغريب في الأمر ، ومما يزيد استهجان الإنسان الواعي صاحب المهنية ، هو أن الكثيرات من النساء ممن يَعتقدنَ بأنهنَّ أصبحنَ كاتبات أو شاعرات بمجرد أنها كتبت أسطرا من مقال أو تبنَّتْ أبياتا ظنتْها شعرا ، بمجرد أن قام أحد المهوِّلين بالتعليق على مقالها أو أبياتها بشيءٍ من المبالغة أو التهويل ، وكذلك الحال بالنسبة لمن ظنُّوا بأنَّهم كتابٌ أو شُعراء ، بمجرد وجود بعض التعليقات ، كثُرَتْ أو قلَّتْ ، أشادت بمواضيعهم بشكل يجانب الصدق والموضوعية، أقول لهنَّ ولهم بأنكم مخدوعون بما تشاهدون من كلمات الإعجاب والإطراء ، ولو كنتم على دراية بأسلوب الكتابة والأدب ، وعلى معرفة تامة باللغة والمضمون واختيار المواضيع التي تهمُّ الإنسانيةَ ، لعرفتمْ بأنَّ كلَّ كتاباتكم رخيصة و تافهة ، إلى الحدِّ الذي يجعلكم تستخفُّون حقا بما تكتبون ، ولكانت حيرتكم أكبرُ حينما تقرأون التعليقات الكاذبة التي كثيرا ما تجدونها تشيد بما تكتبون ، والتي تتميز بالمجاملة التي تتجاوز حدود المعقول ، والإطراء السخيف.
رأيتُ كذلك أن أوجَّه نصيحتي لأولئك المعلقين بأن يكفُّوا عن الابتذال السَّخيف ، وأن يتقوا الله بأنفسهم ، حتى لا يشجعوا على الأخطاء والكتابة الرخيصة التي لا تمت إلى ثقافتنا وأدبنا بأية صلة ، وحتى لا يكونوا عرضة للاتهام ، وتدليلهم على جهلهم ، وقلة علمهم وضآلة معرفتهم ، وعليهم أن يقولوا الحقيقة بلا مجاملة ولا خوف ولا وجل ، أو ليصمتوا ، وأما إن كان الغرض من تعليقهم كما يظنون ، هو التشجيع فلا داعي للابتذال والمبالغة.
إنَّ من بعض الفتيات الجميلات ، اللائي وجدتهنَّ يُطلقنَ على أنفسهنَّ مسمى (الكاتبة والأديبة) بمجرد حصولهنَّ على بعض الردود والإعجاب ، أو حصولهنَّ على بعض شهادات التقدير من مراكز أو منتديات أدبية ، سوَّلتْ لهنَّ أنفسهنَّ بتصوُّراتٍ مزيفة لا تمتُّ إلى الواقع والحقيقة بأي صلة أبدا ، لقد اعتقدتْ بأنها حصلت فعلا على شهادات التقدير تلك ، عن جدارة واستحقاق ، مع أنَّها بالإضافة لجهلها وضآلة علمها ، ينقصها الكثير من الأدب والمعرفة باللغة ، وكذلك عدم اقتدارها على جعل كتاباتها قوية اللغة والمضمون والمعنى ، لأنها تكتبُ كلماتٍ لا معنى لها ولا أسلوبَ بها ولا تشويق ، ولا يمكن للقارئ أن يستفيد منها أبدا ، الأهمُّ في الموضوع أنها اتخذتْ من تعليقات القراء الجهَلَة سبباً وجيهاً ومن وجهة نظرها بأنها فعلا بلغتْ منزلة عالية مرموقة ومكانة عليةً رفيعة في الأدب والعلم والمعرفة .
أما نصيحتي لها ولكل من هم على شاكلتها من الكتاب المبتدئين، أن يتروَّوا كثيرا قبل أن يعتقدوا بأنَّهم بلغو منزلة الكتاب والمفكرين واللغويين والأدباء أو الشعراء، أنَّ عليهم أن يعلموا بأن هذا الطريق هو شاقٌّ وشائكٌ وطويل.
وعلى الجميع وأنا من هؤلاء ، أن يعلم كلنا بأنَّ مجال العلم واسعٌ جدا ، ولا يمكننا أن نبلغ الكمال فيه ، أو أن نبلغَ حدودَه القصوى ، أو نظنَّ يوما بأننا قد ختمنا العلم وأصبحنا علماء ، والتحدي الأكبر جاء من عند الله الواحد الأحد ، وهو قوله سبحانه وتعالى : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ، وقوله : وفوق كلِّ ذي علمٍ عليم .
والله سبحانه وتعالى هو الهادي إلى سواء السبيل …