مسيرات بيرقدار التركية تفتك بالقوات الروسية !
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم /مهدي مبارك عبد اللهلسنوات طويلة ظلت الطائرات من دون طيار العسكرية الموثوقة والدقيقة قس تصنيعها حكرا على الجيش الأميركي لكن التكنولوجيا والتقنيات الخاصة بها أصبحت اليوم أكثر شيوعًا بين الدول وهي الآن تشكل عنصرا أساسيا في العديد من ساحات القتال وتركيا تتصدر ابرز الموردين في العامين الماضيين
يعود تطوير مسيرات بيرقدار تي بي 2 الت تعد فخر الصناعة العسكرية التركية ذات الأداء العالي وغير المكلفة نسبيا والاخف بمرتين من منافستها الأمريكية ( ريبر ) الى فترة الحظر الامريكي على تركيا قبل 10 سنوات حيث رفضت تزويدها بالطائرات بدون طيا ر وهو ما ولد لديها روح التحدي والاصرار بالاعتماد على الذات لتجاوز الحظر من خلال الإنتاج المحلي عبر شركات حكومية وأخرى مقربة من الحزب الحاكم
بدأت انقرة فعليا بإنتاج هذه الأنواع من الطائرات منذ أكثر من 10 أعوام يواسطة شركتي اسيلسان الحكومية و بايكار التي تمتلكها عائلة المهندس سلجوق بيرقدار رائد صناعة الطائرات المسيرة في تركيا وصهر الرئيس رجب طيب أردوغان والذي يعود الفضل الكبير له في امتلاك تركيا للمئات منها بل وبيعها الى عدد من دول العالم
سلمت تركيا سلطات كييف منذ عام 2019 كمية كبيرة من هذه الطائرات إلى جانب الصواريخ ومحطات التحكم والتوجيه اللازمة والتي سبق لها أن استخدمتها في مواجهة الانفصاليين في شرق أوكرانيا الذين تدعمهم روسيا وقد تم الاتفاق بين البلدين على تصنيع هذه الطائرات بجهد مشترك على الأراضي الأوكرانية وانشاء مركز للصيانة والتدريب كما طلبت الحكومة الأوكرانية المساعدة من تركيا في يناء السفن الحربية حيث بدأ العمل في مشروع إنشاء السفينة الحربية الجديدة من نوع ( الكورفيت ) التي كان من المتوقع ان يتم إكمال بنائها في أوكرانيا قبل نهاية عام 2023
أبرز الميزات التي تمتلكها مسيرات بيرقدار قدرتها العالية في التخفي عن منظومات صواريخ أرض جو وانظمة الحرب الإلكترونية والرادارات ودقة إصابتها للهدف وتحركها مع بعض كسرِب فعال حيث يوجد منها نوعان الأول يتم التحكم بها عبر أجهزة تحكم عن بعد والثاني يتم توجيهها للهدف وإطلاقها لتعمل بشكل ذاتي
من الناحية الفنية والتقنية يمكن أن يصل ارتفاع الطائرة إلى 40 ألف قدم وأن تبقى في الجو لمدة 24 ساعة وان تحمل صواريخ خفيفة مضادة للدبابات وقنابل صغيرة لمهاجمة أهداف على السطح كما يمكن الاتصال بها على مسافة تصل إلى 150 كم والتحكم بها بشكل آلي وقد زودت بحساسات يمكنها من خلالها التخلي عن تطبيقات ( جي بي اس ) في عملية إطلاق الصواريخ وإصابة الأهداف المتحركة و النسخة الجديدة من المسيرة تمتلك 6 حواسيب تعتمد على الذكاء الصناعي تعمل على اتخاذ القرارات بشكل تلقائي
ببلغ وزن الطائرة مع الحمولة المتفجرة 630 كغ ويبلغ طولها 6.5 أمتار وعرض جناحيها يصل إلى 12 مترا وتعتمد على وقود البنزين وتتمتع المسيرة التركية بحيازة كاميرا كهروضوئية معقدة ونظام لربط البيانات فضلا عن قطعتين إلى 4 قطع من الذخيرة الذكية الموجهة بالليزر والتي تساعدها في تحديد الأهداف وضربها بدقة فائقة
لقد لعبت مسيرات بيرقدار دوراً محورياً في المعارك التي جرت في السنوات الأخيرة حيث استهدفت مئات الدبابات التابعة للنظام السوري والأنظمة الدفاعية الروسية في إدلب شمالي سوريا قبل عامين كما دمرت بدرجة أساسية أنظمة ( بانتسير ) الدفاعية الروسية في ليبيا والتي اصبحت محل سخرية بسبب فشلها في إسقاط الطائرات كما كانت هذه لمسيرات بمثابة السلاح الأول الذي ساعد الجيش الأذربيجاني في الانتصار في حرب قره باغ ووقد استعملت في ملاحقة وتصفية قيادات حزب العمال الكردستاني
وفي الحرب الدائرة الان في اوكرانيا أثبتت قوة أدائها العسكري ضد المنظومات الدفاعية والهجومية الروسية مخلفة خسائر كبيرة ومؤلمة في الارواح والمعدات حيث اعتمدت في ضرباتها على الدقة العالية في إصابة الأهداف والسرعة الخاطفة حتى انها شبهت بهجمات الأشباح وهو ما جعل عناصر الجيش الروسي في حالة من الذعر والذهول بعدما شكلت عامل حاسم قوي في إعاقة تقدم القوات الروسية خلال المعارك الدائرة في عدد من المدن الاوكرانية ومن المتوقع ان تشعل عمليات المسيرات التركية أزمة حادة بين أنقرة وموسكو التي عبرت عن تحفظها وقلفها من بيعها للجيش الأوكراني مدعية انها ستؤدي إلى إذكاء الصراع والمساهمة في عدم الاستقرار في المنطقة
مؤخرا أظهرت عشرات مقاطع الفيديو ما يعتقد أنها ضربات مركزة لهذه الطائرات ضد مدرعات وعربات ونقاط تجمع الجيش الروسي والانفصاليين ما أدى إلى تدمير قطار للشحن وأنظمة للصواريخ المضادة للطائرات وارتال عسكرية روسية في مدينة خيرسون قرب العاصمة كييف فضلا عن احتراق عشرات الدبابات والمدافع والعربات والمركبات المصفحة وتحويلها إلى خردة وبداخلها جثث متفحمة لجنود من الجيش الروسي
كثيرون من المحللون العسكريون كانوا دائما يشككون في قدرة طائرات بيرقدار على لعب أي دور في اي مواجهة واسعة بين الجيشين الروسي والأوكراني بسبب التفوق المطلق للأنظمة الدفاعية الروسية واختلاف طبيعة الأراضي الاوكرانية عن نظيرتها في الحالة الأرمينية-الأذربيجانية وإمكانية إسقاط الطائرات التركية المسيرة بسهولة لكنها في الواقع وفي ميدان القتال اصبحت كابوس مرعب للجنود الروس تقض مضاجعهم وتدمر قدراتهم
الجيش الاوكراني احتفى بدخول الطائرات القتالية بدون طيار من طراز ( بيرقدار تي بي 2) ساحة المعركة في 24 شباط الماضي وبقدرتها الهائلة في تدمير الأهداف الروسية العسكرية بأغنية حماسية معبرة ومستفزة للرئيس بوتين وقادته العسكريين ونتيجة للدور العملياتي المؤثر لهذه المسيرات اشترت كل من أوكرانيا وبولندا وأذربيجان وقطر والمغرب اعداد منها فيما أبدت عدة دول اهتمامها بها كسلاح حاسم في العديد من النزاعات سيما بعد تغلبها على الدفاعات الجوية الروسية التي أصيب الكثير منها وأخرج عن الخدمة في العديد من المواقع والمعارك الحرجة
خلال الخمس ايام الاولى من الغزو الروسي دمرت طائرات بيرقدار التركية المسيرة التابعة للجيش الأوكراني أكثر من 80 آلية روسية في محور سومي في الجبهة الشرقية على الحدود الروسية الأوكرانية وفي اليوم السابع للغزو الروسي بثت وزارة الدفاع الأوكرانية صور قالت إنها لآليات ومدرعات ودبابات ومروحيات ومدفعيات ميدانية روسية تركها الجيش الروسي في المنطقة بعدما دمرتها مسيرات بيرقدار وصواريخ ستينجر المضادة للطائرات ومدافع جافلين المقاومة للدبابات
الطائرات المسيرة التي اشترتها اوكرانيا من تركبا لا تصل تكلفتها إلى بضع ملايين من الدولارات بينما النظام الصاروخي الواجد أرض- جو الروسي الذي دمرته البيرقدار قد تصل قيمته إلى 50 مليون دولار
والقوات الروسية في أوكرانيا عاجزة حتى اللحظة عن مواجهة طائرات بيرقدار تي بي 2 التركية والتي يستخدمها الجيش الأوكراني في القتال والهجوم الروسي لا يسير كما هو مخطط له وكان من الحماقة العظيمة أن ترسل موسكو قواتها بهذا الكم الكبير قبل القضاء على فاعلية القوات الجوية الأوكرانية بما في ذلك طائراتها بدون طيار ومع ذلك يمكن أن يعود فشل روسيا في التخلص من مسيرات البيرقدار إلى عدة أسباب أولها انه ليس لدي القوات الروسية تفوق جوي على كل المجال الجوي لأوكراني إلى جانب وجود عدد من القواعد الجوية الأوكرانية والمدارج والمرافق التشغيلية لم يتم تعطيلها بالكامل رغم القصف الروسي العنيف
القوات الروسية كان لديها فرصة وقدرة على تدمير طائرات بيرقدار تي بي 2 على الأرض وفي المطارات مع بداية الحرب لكنها فشلت في القيام بذلك لسبب كما يبدو أن دفاعاتها الجوية التي رافقت قواتها البرية في القتال لم تكن متهيئة او مستعدة لمواجهة المسيرات المسلحة وليس من الواضح حتى الان سبب ذلك كما وتشير معظم اللقطات التي نشرها الجيش الأوكراني إلى أن طائرات بيرقدار تي بي 2 لم تتعرض لأي تهديد مباشر وهي تقوم بالإغارة على نظام الدفاع الجوي الروسي المتحرك ( بوك ) وتدميره وان معظم هجماتها تم تنفيذها بسهولة وفي وضح النهار
حتى الآن لا يوجد تأكيد مفتوح من مصدر محايد لإسقاط بيرقدار تي بي 2 على الرغم من أن وزارة الدفاع الروسية زعمت أنها أسقطت ثلاثة منها في الايام الماضية
تركيا وقفت خلال الأزمة الأوكرانية موقف الوسيط الذي يعمل على إيقاف الحرب والسعي للدخول بهدنة عاجلة ثم فتح باب حوار بين روسيا وأوكراني والعلاقات الروسية التركية مهمة جدّا والتبادل التجاري والاقتصادي والعسكري بينهما كبير رغم وقوفهما على طرفي نقيض في أكثر من ملف وخاصة ما يتعلق منها بالأزمة السورية
وفي تطور جديد ولافت سلجوق بيرقدار رئيس مجلس إدارة شركة بايكار التركية للصناعات الدفاعية نجحت في اختبارات التحليق لمسيرة جديدة من طراز ( أقنجي بي ) تمتلك محركَين قوة الواحد منهما 750 حصاناً ( بإجمالي 1500 حصان ) للطائرة وأن الشركة تحضر حاليا لإجراء أول اختبارات التحليق لمسيرة ( أقنجي سي ) المتطورة بمحركين قوة الواحد منهما 950 حصاناً ( بإجمالي 1900 حصان )
مجريات الأحداث على الارض والدروس المستفادة من سوريا وليبيا وكاراباخ تؤكد الفعالية القتالية للطائرات التركية بدون طيار ضد أسلحة الدفاع الجوي الروسية الثابتة والمتنقلة مرارًا وتكرارًا كما تشير الى أن مسيرات بيرقدار بكافة طرازاتها تتجه نحو تحقيق نصر جديد يعزز سمعتها الهجومية في سوق السلاح بعدما أثبتت مكانتها كسلاح نوعي متطور في حروب عدة حول العالم امتدت بين قارات العام الثلاث ( أفريقيا وآسيا وأوروبا )
اخيرا يمكننا القول ان هذه الطائرات التركية بدون طيار بلا شك انها مفيدة جدا عسكريا لأوكرانيا ولكنها بدون عوامل أخرى لا يمكنها أن تكون الرادع الوحيد لتغيير مجرى الحرب المتصاعدة ضد روسيا واجبارها على وقف العدوان
mahdimubarak@gmail.com