نابلس عرين الأسود وارض الصمود
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم / مهدي مبارك عبد اللهفي مدينة نابلس شمال الضفة الغربي تشكلت مؤخرا قوى نضالية وثورية من ابناء بلدنها القديمة سميت بمجموعات عرين الأسود حيث امتشق شبابهان السلاح واختاروا الشهادة أو الاعتقال وقد ارهبوا الاحتلال وهم يستعرضون قوتهم بزيهم الموحد باللون الأسود حيث جاءت وحدة الشكل والهيئة الخارجية مكملة لوحدة التنظيم والعمل كما غطوا فوهات بنادقهم بقطع من القماش الأحمر تأكيدا منهم على أن لا رصاصة ستطلق هدراً في الهواء بعيدا عن قوات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه وهذه أحدث المجموعات المسلحة في فلسطين التي اعادت احياء النفس المقاوم في كامل مدينة نابلس ومحيطها
( الاحتلال الإسرائيلي ينظر إلى نابلس المحتلة حاليا على أنها أخطر مدينة فلسطينية بسبب قربها من العديد من المستوطنات وسهولة استهدافها )
بداية ظهور الخلايا العسكرية لهذه المجموعات المسلحة في نابلس كان في أواسط العام الماضي بالتزامن مع تشكيل كتيبة جنين واغتيال الاحتلال لمؤسسها الشهيد جميل العموري في العاشر من حزيران 2021 وقد عرفت المجموعة آنذاك بكتيبة نابلس أسوة بكتيبة جنين ورغم محاولات البعض اتباعها لتنظيمات عسكرية وسياسية فلسطينية مختلفة الا انها ظلت مستقلة ومتاحة للجميع
حيث ضمت في صفوفها نشطاء من مختلف الفصائل الفلسطينية الذين وجدوا فيها حاضنة مجتمعية مقاومة بعيدة عن تبعات الانقسام والخلافات الحزبية الضيقة بما تحمله من اهداف راسخة في مقاومة الاحتلال تسمو على جميع المسميات التنظيمية والفصائلية وقد كان من ابرز عناصرها المطارد الأخطر والمطلوب الأول للاحتلال مصعب اشتية المحسوب على كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس والذي اعتقلته السلطة مؤخرا ورفضت الافراج عنه وكذلك المطارد للاحتلال محمد طبنجة وهو أسير محرر ومحسوب على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
كما تميزت العرين باحترام وتمجيد المقاومة وقادتها من كل الفصائل كالشهيد ياسر عرفات مؤسس خلايا المقاومة في حي الياسمينة بالبلدة القديمة والشهيد أحمد ياسين وأبو علي مصطفى وفتحي الشقاقي وغيرهم من قادة النضال الفلسطيني عبر السنوات الطويلة
القيادات السياسية والعسكرية في عرين الأسود كانوا يؤكدون دائما سواء من خلال بياناتهم أو وصايا شهدائهم بأنهم يقاتلون موحدين تحت ( راية لا إله إلا الله محمد رسول الله ) وأنهم جميعاً على قلب رجل واحد في السير على نهج المقاومة وعدم ترك البندقية تحت أي ظرف وتوجيهها نحو الاحتلال ومستوطنيه ومن يساندهم من العملاء فقط وأن بنادقهم لن تطلق أي رصاصة هدرا بالهواء وانهم يعتبر ذلك خروج عن الصف العام ولا يمثلهم كعرين وأنهم يدينون كل من يستخدم اسمهم لمطالبة التجار بالمال بحجة دعم المقاومة
هذه الحالة الثورية الجديدة والمتميزة خطّت سطراً جديداً في نهج المقاومة استطاعت من خلاله أن تشق طريقها إلى عقول الفلسطينيين وقلوبهم بسرعة فائقة بعدما شكلت أرضية صلبة ونواة حية لتعزيز مسارها ونموذجها على قاعدة العمل الوطني الشامل ودون أي تأطير او تقييد حزبي محدد لغايات استثمار طاقات الشباب الرافض للاحتلال في ظل تجذر حالة الانغلاق في الأفق والمستقبل السياسي ولهذا فان مسيرتهم لن تكون ظاهرة مؤقتة ثم تخبو كما يتصور البعض كما انها لن تقتصر على بقعة جغرافية في محددة وسوف تمتد لعدة مدن ومحافظات اخرى في اقرب وقت وخير مثال على ذلك ما وقع مخيم اللاجئين الجلزون في منطقة رام الله بعد محاولة شبان فلسطينيين تنفيذ عملية دهس ضد جنود اسرائيليين
اللافت في هذا الشأن انه رغم ولادة عرين الاسود الحديثة وصغر سن معظم كوا درها وقلة خبرتهم في العمل العسكري والتنظيمي إلى جانب معضلات واقعهم المحاصر بين فكي كماشة اجرام الاحتلال وملاحقة السلطة الا ان هؤلاء الشباب أصروا على مواصلة الدرب وتعاهدوا فيما بينهم على تصويب أسلحتهم ضد الاحتلال فقط لتنصهر بينهم كافة انقسامات الواقع السياسي وتتلاشى في عرينهم كل ألوان الأحزاب مشكلين حالة نضالية قل مثيلها في الواقع الفلسطيني المعاصر وهم يتصدون ببطولة وبسالة لاقتحامات الاحتلال المتتالية لمدينة نابلس ويبادروه في الهجوم والاستهداف
عملية الاغتيال التي طالت المقاومين الثلاثة ( محمد الدخيل وأشرف مبسلط وأدهم مبروكة ) في الثامن من شباط الماضي كانت الجذوة والصحوة التي أحيت روح المقاومة المتجذرة في نابلس أصلا كما اوقدت شرارتها وكشفت عن تنظيم مجموعات عرين الأسود واخرجته للعلن وفتحت الأبواب الواسعة لانضمام عشرات الشبان إليها خاصة بعد اغتيال الشهداء محمد العزيزي مؤسس العرين والمشتبك المخفي وعبد الرحمن صبح أسد الاشتباكات وابراهيم النابلسي ورفيقه إسلام صبوح والطفل حسين طه وسائد الكوني
وهو ما زاد من قناعات الشباب الفلسطيني بفكرة مقاومة الاحتلال والالتفاف حول المقاومين والايمان بصدقية عهد عرين الأسود بتوجيه الضربات الموجعة للاحتلال الإسرائيلي وتوسيع رقعة عملياتها
في الحقيقة انه يحسب لمجموعات العرين أنهم بعيدون عن أي تصرفات عبثية او انحرافات فردية حيث لا يظهرون للإعلام إلا منضبطين وموحدي الشكل والهيئة الخارجية وجل رسالتهم التي يحرصون على نشرها انهم مقاتلون مجهولون وأن عملهم الجهادي الميداني هو الشاهد الوحيد عليهم وأنهم لا يميطون اللثام عن وجوههم إلا عند الاستشهاد وفقا لميثاقها وبرنامجها المقاومالتكتيك الميداني والخطط المحكمة والضربات الموجعة لمجموعات عرين الاسود بات ملاحظة بكثرة في الآونة الأخيرة وأصبحت تشكل قلقا متزايدا للمنظومة الأمنية للاحتلال لنوعيتها واسلوبها حيث لم يعد قادر على توقع شكلها ولا ان يقرأ طبيعتها حين تأتي بأشكال وأساليب كثيرة فبدل من انتظار اقتحام جيش الاحتلال للبلدة القديمة من نابلس أو دخول حافلات المستوطنين لقبر يوسف لأداء طقوسهم التلمودية والاشتباك معهم بادر عناصرها وبشكل مباغت باستهداف قوات الاحتلال في مواقعها العسكرية عند الحواجز ونقاط التماس المحيطة بمدينة نابلس وكذلك المستوطنات المقامة في محيطها
كما حدث في حوارة وهار براخا جنوب نابلس ومنطقة التعاون بجبل جرزيم وقد اتخذ ابطال العرين من الليل سترا لهم ولعملهم المقاوم والمنظم إضافة للسرية التامة وعدم الظهور والاستعراض المتكرر بين الناس وعدم تعريض مصالحهم للخطر وهو ما أكسبهم التفافا جماهيريا واسعا وحاضنة ومؤازرة شعبية واسعة في مدينة نابلس وغيرها حيث شارك نحو 5 آلاف مواطن بمهرجان التأبين وإعلان انطلاقة العرين
البعض اعتبر عرين الأسود ( أنبل ظاهرة عرفتها الثورة الفلسطينية المعاصرة ) بعدما قامت على يد فِتية تجاوزوا حدود الفصائلية المقيتة وهم يواجهون أعتى دولة وحشية ببندقية بسيطة وبضع رصاصات تقليدية لكنهم كانوا متسلحين بإرادة وعزيمة في المقاومة والانتصار وكأن الله أرادهم لتحقيق إرادته
السلطة الفلسطينية عوضا عن دعمها لهذه الظاهرة النضالية وتبنيها عرضت قبل أسابيع على عناصر عرين الأسود الاندماج في مؤسسات السلطة الفلسطينية وشراء اسلحتهم ليصبحوا موظفين يتقاضون رواتب مقابل نزع سلاحهم ووقف عمليات اطلاق النار في شمال الضفة لكن إصرار العرين على رفض الفكرة افشل المخطط ومن اسواء واحط واقذر تصريحات رجالات السلطة ما قاله محافظ نابلس المدعو ابراهيم رمضان في وصفه لبعض امهات الشهداء بالشاذات كونهن يبعثهن اولادهن للانتحار كي يحصلن على لقب الأم المناضلة هل هنالك حزي وعار اكبر من هذ واين رئيس السلطة من قذف الفلسطينيات المحصنات الغافلات
امام هذا المشهد الثوري المتفجر غضبا وانتقام على إسرائيل وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية المختلفة ان تدرك أن الواقع الميداني في الضفة الغربية المحتلة في كل ساعة يشهد تطورًا خطيرًا ومتسارع يصعب السيطرة عليه بالطرق التي كانت تستخدم في السابق وأن الأوضاع مرشحة نحو مزيد من المواجهات العنيفة قد تكون الأطول والأخطر منذ سنوات طويلة ستواجه إسرائيل معها صعوبات كبيرة في كبح جماح المقاومة ووقف العمليات بالاغتيال والاعتقال بعدما تطورت الأساليب النوعية والكيفية للمقاومة وتمددت التجربة لتصل العديد من المدن والقرى في الضفة وبما هو ابعد من جنين والخليل ونابلس
الاحتلال الصهيوني ملزم أيضا ان يفهم ان الواقع قد تغير وان المقاومة الباسلة لن تقف مكتوفة الايدي او متفرجة كما انها تقبل الذلة والمهانة وهي اكبر من المأساة والمعاناة والقهر حيث أضحت قوة فاعلة ومؤثرة تعمل لها إسرائيل ألف حساب وعلى القادة الصهاينة ان يفكروا جيدا بان كل عملية أمنية او اقتحام في المستقبل سيكون لها ثمن باهض يحمل في طياته مخاطر كبيرة في الأرواح والمعدات
خاصة وأن معظم عمليات إطلاق النار الأخيرة في منطقة نابلس التي نفذتها مجموعات عرين الأسود الجديدة عناصرها لم يكونوا معروفين لجهاز الأمن الاسرائيلي قبل تنفيذ العمليات وهو ما يجعل من الصعب الى حد ما الوصول إلى المعلومات الاستخبارية المسبقة لإحباط عملياتهم او القاء القبض عليهم او تصفيتهم
أخيرا ليعلم ازلام السلطة ومسؤولوها ابطال التنسيق الأمني ان كل ما على ارض فلسطين المغتصبة تحت حراب الاحتلال مؤقت والى زوال الا دماء الشهداء ووجع الأسرى وعذاب أمهاتهم هم الباقون وما سواهم كله وهم متخيل وسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء
mahdimubarak@gmail.com