وداعا اسمى خضر نصيرة الحق وضمير العدالة
مهدي مبارك عبدالله
=
بقلم // مهدي مبارك عبد الله
غيب الموت يوم الاثنين الماضي الناشطة النسوية وأيقونة الدفاع عن حقوق الإنسان وزيرة الثقافة السابقة المحامية أسمى خضر بعد صراع مع المرض ورحلت عن عالمنا عن عمر ناهز 69 عام نذرت جله للدفاع عن الإنسان ورفع الظلم وإحقاق الحق وصون الحريات العامة وحماية الاسس الديمقراطية وقد تركت بصماتها الايجابية الرائدة والتي منحتها شرعية فهم حيثيات القانون ومراعاة احداث التاريخ
حين انفردت بأداء مختلف ومتميز بأخلاقها ولطفها ودماثة طبعها وبسمتها البريئة التي لم تكن تفارق وجهها ورغم غيابها ورحيلها ستبقى حية دائما بتراثها الزاخر بسجاياها ومواقفها وانسانيتها التي خلفتها باسمي واعلى مراتبها لدى الكثيرين بما حققته ابنة الحي الفقير ( جبل النظيف ) كنموذج متنوع للأبداع وهي تشغل العديد من المناصب العامة والتي كان أبرزها وزير دولة وناطق رسمي باسم الحكومة من 2003 حتى 2005 ووزير ثقافة وناطق رسمي باسم الحكومة 2004 – 2005، ووزيرة للثقافة في العام 2005
اسمى خضر الانسانة وقفت بكل اصرار وعزيمة وقوة في وجه المرض الخبيث الذي داهم حياتها بقسوة وبشكل لا يمكن تخيله ورغم شدة التعب والالم الا انها رفضت ان يوقف مرضها شغفها الدائم للعمل في الدفاع عن حقوق النساء والفتيات المعرضات للعنف أو اللواتي تعرضن له بالفعل وبقيت تعمل وهي على سرير الشفاء كرئيسة تنفيذية لجمعية معهد تضامن النساء الأردني ( تضامن ) وتقدم توجيهاتها واستشاراتها وتتابع اعمالها وانشطتها وبرامجها وتتأكد من سيرها وفقاً للتخطيط المعدة لنجاحها
ونحن نقف اليوم على قمة لوعة الفراق نستذكر بعضا من سيرة ومناقب الفقيدة الخيرة طيلة حياتها وجهودها البارزة في العديد من القضايا الحافلة بالمحطات الهامة والمفصلية في كل مكان وموقع شغلته بالعمل والإنجاز سواء في الفريق الوزاري الحكومي أو في منظمات المجتمع المدني والقانون والمحاماة والصحافة والتعليم وحقوق الإنسان والمرأة والعمل الاجتماعي التطوعي والانساني الخيري فقد حرصت خلال مهمتها على رأس وزارة الثقافة على متابعة الورش الثقافية الكبرى والاهتمام بالمكتبة الوطنية والمتحف الوطني والمسرح العالي إلى جانب عنايتها بقضايا الفنانين وتجديد وتحديث البنى الثقافية في المركز والمحافظات
وبهذا العمل الصادق والمخلص نجحت في صنع تاريخ ثرى ضم مجموعة من الأعمال التي فتحت فيها لعشرات الألاف من النساء بعد الانتصار لقضاياهن أبواباً من الخيارات والفرص لرسم مستقبل أفضل لهن ولأسرهن وأولادهن بعدما اصبحن يتمتعن بحياة خالية من العنف والتمييز وعدم المساواة في مختلف النواحي الإنسانية والاجتماعية ةالحياتية
وقد بدأ اهتمامها بالعمل العام إبان العدوان الإسرائيلي على قرية السموع في 13 تشرين الثاني عام 1966 حيث شاركت وهي ابنة 14عام في تظاهرة لشجب العدوان كما تأثرت بنتائج حرب حزيران وقصص الهزيمة في فترة مراهقتها وتفتح وعيها على الظلم الذي أحاق بالناس والوطن ما دفعها الى الانخراط في أنشطة الإسعاف ومشروع ( كنزة الفدائي ) الذي جمعت وحاكت فيه النساء الصوف لدعم حركة المقاومة الفلسطينية الوليدة آنذاك
ثم انتمت في تلك المرحلة للتنظيمات الطلابية وصارت عضواً في اللجنة التنفيذية لاتحاد طلبة الضفتين غير أنها لم تنتم الى أي تنظيم او تيار سياسي لكنها كانت مقربة من التنظيمات اليسارية وفي مطلع السبعينيات أصاب المرض والدها وأقعده عن العمل ورغم حصولها على شهادة التوجيهي إلاّ أنها لم تستطع أن تتابع دراستها الجامعية بسبب ضيق يد اسرتها لكن تبرع عم وخال لها بتدريسها وضعها على الدرب لتحقيق حلمها الكبير بدراسة القانون في جامعة دمشق عام 1972
ولدت الراحلة خضر عام 1952 في بلدة الزبابدة في محافظة جنين وأنهت دراستها الثانوية من مدرسة الأميرة عالية الثانوية في عمان بداءة عملها المهني في التعليم في المدارس الثانوية الخاصة 1974- 1978 ثم انتقلت للصحافة في صحيفة الأخبار الأردنية 1978 – 1979 وعملت محامي متدرب في مكتب محاماة في عمان 1981- 1984 ثم مارست مهنة المحاماة من خلال مكتبها الخاص وترافعت أمام المحاكم في مختلف أنحاء الأردن وفي الخارج 1984- 2003 ثم عاودت مزاولة مهنة المحاماة في مكتبها الخاص 2006 بعد طول غياب في اعمال متنوعة
الراحلة الاستاذة خضر تعد واحدة من أبرز الوجوه الحقوقية التي اثبتت جدارتها كمحامية مستقلة بعد أن تولت العديدة من القضايا ولن ينسى الدور الكبير الذي لعبته في مجالات الدفاع عن الحريات العامة والديمقراطية والسياسية وحقوق الانسان وبرحيلها فقد الوطن وخسر قامة نسوية إبداعية شامخة وكبيرة وامرأة ناجحة شكلت حالة فريدة أثبتت فاعليتها وحضورها في الداخل والخارج حين نذرت حياتها للعمل القانوني التطوعي والخيري لتصبح مثال يحتذى به للمرأة التي تثبت كل يوم انها جديرة بالاحترام والتقدير من مختلف الجهات الرسمية والشعبية بمواقفها العظيمة التي ستبقى خالدة بكل ما تحمله من موضوعات ومفردات رسخت في وجدان العديد من المواطنين وخصوصا فئة السيدات
شغلت الراحلة عدة مواقع ومناصب منها نائبا لرئيس الهيئة المستقلة للانتخاب وترأست لجنة المرأة في اتحاد المحامين العرب ثم اتحاد المرأة في الأردن عام 2007 وشاركت في العام 1990 في اللجنة الملكية لصياغة الميثاق الوطني واللجنة الملكية لحقوق الإنسان ومن ثم مجلس أمناء المركز الوطني لحقوق الإنسان ولجنة الحوار الوطني ولجنة التحقيق الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا 2011- 2012 ومجلس الأعيان الأردني ال26
كما حصلت على دورات علمية وتطبيقية لدى عدد من المؤسسات الأكاديمية والجامعية وبعض الهيئات ومعاهد لحقوق الإنسان ومنظمات نقابية متنوعة وحازت على جائزة الشرف عن دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان من منظمة مراقبة حقوق الإنسان وعلى وسام الاستقلال الأردني من الدرجة الأولى من الراحل الملك الحسين لمشاركتها في صياغة الميثاق الوطني الأردني اضافة الى عدة جوائز وشهادات تقدير محلية ودولية لدفاعها عن حقوق الإنسان منها جائزة الأمم المتحدة لمجابه الفقر عام 2003 وعن انجازاتها في مجال تحقيق أهداف التنمية للألفية وإسهاماتها في العمل الوطني الاجتماعي والانساني التطوعي والخيري
نتقدم من أسرة الوزيرة الراحلة الاستاذة اسمى خضر وزملائها باحر التعازي سائلين المولى عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يلهم عائلتها ومحبيها الصبر والسلوان
mahdimubarak@gmail.com