وزير الصناعة القضاة والتحديات الاقتصادية

الدكتور موفق العجلوني
=
وزير الصناعة القضاة والتحديات الاقتصادية في ظل التعريفات الجمركية الأمريكية
“والنهج الحكيم لجلالة الملك في بناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة الصعاب”
—
بقلم / السفير الدكتور موفق العجلوني
المدير العام / مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
في ظل السياسات التجارية المتغيرة التي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وفرضه التعريفات الجمركية على العديد من المنتجات القادمة من مختلف أنحاء العالم، تواجه الدول المصدرة تحديات اقتصادية كبيرة. والأردن كدولة تجارية صغيرة في المنطقة، لم يكن بمنأى عن تأثيرات هذه السياسات التي شملت زيادة الرسوم على العديد من الصادرات، مماربما يشكل ضغطًا نوعاً ما على الاقتصاد الوطني. وبالرغم من هذه التحديات، يسعى الاردن إلى التكيف مع هذه المتغيرات من خلال استراتيجيات تهدف إلى تحسين قدرة صادراتها على المنافسة في أسواق العالم، وخاصة السوق الأمريكية التي تعد من أهم الوجهات التجارية للمنتجات الأردنية.
منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه، تبنى سياسة “أمريكا أولًا”، التي كانت تهدف إلى تقليص العجز التجاري مع دول أخرى، وذلك عبر فرض تعريفات جمركية على الواردات. هذه السياسة، التي حظيت بدعم بعض القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة، أدت إلى خلق سلسلة من التوترات التجارية على المستوى العالمي.
التعريفات الجمركية التي فرضتها الإدارة الأمريكية لم تقتصر على الصين فحسب، بل شملت العديد من الدول مثل الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، وكذلك الأردن ودول أخرى في الشرق الأوسط. هذه السياسات أدت إلى زيادة التوترات التجارية، وتعقيد سلاسل الإمدادات العالمية، وارتفاع التكاليف بالنسبة للمنتجين في الدول المصدرة، مثل الأردن.
إلا أن هذه السياسات لم تحقق نجاحًا طويل الأمد في تقليص العجز التجاري الأمريكي كما كان يُأمل. بل بالعكس، أدت إلى تقلبات اقتصادية عالمية وأثرت سلبًا على العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وبقية دولالعالم. مما يطرح تساؤلًا مشروعًا حول جدوى هذه السياسات: هل هي حقًا في مصلحة الاقتصاد الأمريكي والعالمي على حد سواء، أم أن منافعها قصيرة الأمد تمثل فقط انتصارًا ظاهريًا دون النظر إلى تأثيراتها الطويلة المدى؟
على الرغم من التحديات التي فرضتها التعريفات الجمركية الأمريكية، يبدي الأردن ومن خلال تصريحات معالي وزير الصناعة والتجارة والتموين المهندس يعرب القضاة مرونة عالية في سعيه لمواجهة هذه الضغوط الاقتصادية. حيث أكد على ضرورة تنويع أسواق الصادرات وتعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الأردنية من خلال تحسين جودتها وتقديم منتجات مبتكرة. والاستفادة من الاتفاقيات التجارية الدولية الموقعة مع مختلف الدول لتوسيع نطاق الصادرات الأردنية. علاوة على دعم القطاع الصناعي الأردني عبر برامج حكومية متكاملة تشمل التدريب الفني والتطوير التكنولوجي لتلبية متطلبات السوق العالمية. هذه الاستراتيجياتقد تساهم في تقليل الاعتماد على السوق الأمريكية، وهو ما يمثل خطوة استراتيجية نحو بناء علاقات تجارية أكثر استقرارًا وتنوعًا.:
على الرغم من نوايا سياسة الرئيس ترامب “أمريكا أولًا” في حماية المصالح الاقتصادية الأمريكية، إلا أن النتيجة الفعلية لهذه السياسات صراحةوبرأي الشخصي كسفير ودبلوماسي مسلكي واعتز بالعلاقات الأردنية الأميركية التاريخية الاستراتيجية،كانت مزيجًا من التوترات التجارية وخلق بيئة اقتصادية غير مستقرة في الأسواق العالمية. فرض التعريفات الجمركية على الحلفاء التجاريين أظهر أن سياسات الحماية الاقتصادية قد تؤدي إلى نتائج عكسية، حيث تشعر الدول المتأثرة بالإجبار على البحث عن أسواق بديلة وتطوير سياسات اقتصادية جديدة للتكيف مع الظروف المتغيرة.
حقيقة، في ضوء الازمات التي يعيشها العالم اليوم،الاقتصاد العالمي بحاجة إلى التعاون المتبادل والابتكار لتحقيق النمو المستدام، تيمناً بقوله تعالى:
“ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير. و تعاوموا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ” .
لا إلى سياسات تخلق نزاعات اقتصادية تؤثر سلبًا على التجارة العالمية. التحولات الاقتصادية التي فرضتها السياسات الحمائية لا تقتصر على التأثير على الدول المستهدفة بالتعريفات، بل تمس الاقتصاد الأمريكي نفسه في النهاية، من خلال تقليص فرص التصدير، وزيادة تكلفة الواردات، وتأثيراتها على أسعار المنتجات للمستهلك الأمريكي. بدليل حديث الرئيس الأميركي الموجه للشعب الأميركي: ” إنها ثورة اقتصادية وسنربح، اصمدوا، هذا الأمر لن يكون سهلاً، لكن النتيجة النهائية ستكون تاريخية…!!!”.
ان أهم النقاط التي ينبغي أن يدركها صناع السياسات التجارية حول العالم هي أن التجارة ليست لعبة صفرية “Zero Game “حيث يكسب طرف ويخسر الآخر. بل يجب أن يكون هناك فهم مشترك أن الأسواق العالمية تتيح فرصًا للجميع إذا تم التفاوض بشكل عادل ومرن. بدلاً من أن تخلق السياسات الحمائية بلابل اقتصادية، ينبغي أن تكون هذه السياسات قائمة على التعاون المثمر الذي يسهم في دعم استقرار الاقتصاد العالمي.
فالأردن، ومن خلال استراتيجياته الحاليةوالتيأكد عليها الوزير القضاّة، يبذل جهدًا لتحسين القدرة التنافسية لقطاعه الصناعي، ويظهر كيف يمكن لدولة مثل الأردن أن تستجيب للتحديات العالمية بطرق مبتكرة ومستدامة. كما أن التعاون بين الدول العربية والدول الأخرى في السوق العالمية يمكن أن يكون حلاً مهمًا لتجاوز أزمات التعريفات الجمركية والمنافسة التجارية غير العادلة.
و في ضوء ما سبق، يمكن القول إن السياسات التجارية التي يتبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم تثمر عن نتائج إيجابية على المدى القصير.فبدلاً من حماية الاقتصاد الأمريكي برأي المتواضع، خلقت هذه السياسات موجات من التوترات الاقتصادية على المستوى العالمي. أما بالنسبة لنا هنا في الأردن، فإن الاستجابة للتحديات المترتبة على التعريفات الجمركية الأمريكية تظهر أهمية التنوع في الأسواق وتحسين جودة المنتجات، وهو ما يعكس نموذجًا من التفكير الاستراتيجي الذي يعتمد على الابتكار والتعاون الدولي.
في عالمنا اليوم وما يواجه من تحديات امنية واقتصادية وتنافسية، حيث تتشابك المصالح الاقتصادية بين الدولوخاصة الكبار” The big Boys “يصبح من الضروري التركيز على بناء علاقات تجارية متوازنة ومبنية على المصالح المشتركة، بدلاً من اللجوء إلى السياسات الحمائية التي تعمق الانقسامات وتفاقم الأزمات الاقتصادية.
و في ظل التحديات الاقتصادية المتلاحقة التي يواجهها الأردن، تبرز الحكمة الأردنية بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين، الذي أظهر قدرة استثنائية على التوجيه والقيادة في أحلك الظروف. جلالة الملك، بفضل رؤيته الحكيمة واهتمامه العميق بمصلحة الوطن والمواطن، استطاع أن يعبر بالأردن من مراحل صعبة، مُتجاوزًا الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أثرت على المنطقة.
منذ تولي جلالته العرش، عمل جلالته على تعزيز استقرار الاقتصاد الأردني من خلال سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على الدعم الخارجي وتعزيز الذاتية الاقتصادية. وقد تمثلت هذه الإصلاحات في تطوير القطاعات الحيوية مثل الصناعة، والزراعة، والسياحة، بالإضافة إلى إقرار سياسات تسعى لتنويع مصادر الدخل الوطني، والارتقاء بقدرة الاقتصاد الأردني على مواجهة التحديات العالمية.
جلالة الملك لم يتوقف عند الإصلاحات الداخلية فقط، بل سعى أيضًا لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول الشقيقة والصديقة، والتوسع في الاتفاقيات التجارية التي تساهم في فتح أسواق جديدة للمنتجات الأردنية. وقد تجسد ذلك في مبادرات دبلوماسية شملت التعاون مع العديد من الدول الكبرى، في سبيل إيجاد بيئة اقتصادية آمنة ومستدامة للأردن.
في مواجهة الظروف الصعبة، ورغم التحديات الإقليمية والدولية، بقيت الحكمة الأردنية متجذرة في تعامل جلالة الملك مع القضايا الاقتصادية، مسترشدًا بمصلحة الشعب الأردني في المقام الأول. ولم تكن قراراته الاقتصادية مجرد استجابات للظروف، بل كانت دائمًا خطوات استراتيجية مدروسة تسعى لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتحسين حياة المواطنين.
إن النهج الحكيم لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين حفظه الله يعكس التزامًا عميقًا ببناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة الصعاب، ويجسد رؤية وطنية تستند إلى التعاون والابتكار، ليس فقط للتغلب على الأزمات الاقتصادية، بل أيضًا لبناء مستقبل مشرق للأردن وشعبه.
مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
muwaffaq@ajlouni.me
Top of Form
Bottom of Form
Top of Form
Bottom of Form