يحيى السنوار يستحضر بالإكبار الشهيد ابو عمار
مهدي مبارك عبدالله
–
بقلم /مهدي مبارك عبد الله
الراحل الكبير ياسر عرفات ( ابو عمار ) مثل بشخصيته الرمزية وصورته الثورية العسكرية في الوجدان الفلسطيني الاب الروحي للقضية والقائد الثائر والمقاتل العلم والمعلم والمفصل والجدار والعنوان وربان السفينة الابرز لحكاية الثورة الفلسطينية وسيرة النضال الوطنية والمكانة الشعبية وذاكرة البطولة والشموخ التي تأبى النسيان صاحب الكاريزما لأسطورية والمكانة الرفيعة الذي أعطى للهوية الفلسطينية حضورها العالمي وهو يتمسك بكل جرأة وشجاعة واقدام وثبات بالقرار الوطني الفلسطيني المستقل النابع من المصالح العليا للشعب الفلسطيني حين عاش بين ابناء شعبه بالبساطة والتواضع محتضناً أنصاره ومخالفيه
لقد كان “أبو عمّار” ديمقراطيا ليبراليا ( يختلف معه البعض لكنّهم لا يختلفون عليه ) ولا على مكانته الوطنيّة أو دوره الرّئيس في قيادة الثورة والكفاح الوطنيّ بحكمته ووعي وسعة صدر وبعد نظر حيث لم ( يترك باباً للتفاهم والتلاحم والحوار وتبادل الرأي والمشورة ) إلا وفتحه حرصا منه على وحدة الصف والموقف الفلسطيني وسعيا لاحتواء الخلافات ولازمات مما جعله يفرض احترامه ومكانته وحبه على الجميع وهذا لا ينكره أحد بغضّ النّظر عن الأطياف السّياسيّة المختلفة من اليمين إلى اليسار أو الموالين والمعارضين
ياسر عرفات الزعيم الرمزً والقياديّ الفلسطينيّ والعربيّ الذي تجاوزت شخصّيّته الأبعاد الوطنيّة والقوميّة كواحد من القادة الثّوريّين ومن عظماء مناضلي العالم المرموقين بحنكته السياسيّة و عبقرتيه الدبلوماسية ورؤيته الاستراتيجية في دفاعه المستميت عن وطنه وشعبه ومبادئ الحرية وقيم لعدالة واسس الكرامة وروح النضال والاستقلال
رئيس حركة حماس في قطاع غزة الدكتور يحيى السنوار قبل ايام قليلة خلال لقاءه مع ثلة من الإعلاميين العاملين في الاعلام المحلي والعربي داخل غزة وفي أول مقابلة إعلامية له بعد وقف اطلاق النار استحضر بالإكبار روح الشهيد الرمز ياسر عرفات بلمسة وفاء مقدرة قائلا ( يا ابى عمار نم قرير العين لقد قضيت بعد أن حاولت تعزيز قدرات شعبنا القتالية بعد ( سفينة كارين ( A اليوم أصبح لدى أبناء شعبك في كتائب القسـام وفصائل المقـاومة الأخرى صواريخ طويلة المدى تصل الى 100 و200 كلم رادعة لعنجهية جيش الاحتلال وانه لديها في الداخل المحتل 10 آلاف استشهادي جاهزون للرد على أي مس بالقدس والأقصى ) الامر الذي جعل ارملة الرئيس الفلسطيني السيدة سهى عرفات تخرج عن صمتها وتكتب في صفحتها الرسمية على إنستغرام ( شكري الخاص من صميم القلب للعرفاتي الحمساوي الدكتور يحيى السنوار ما أروعك )
ليست هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها السنوار بالفخار والاعتزاز عن الشهيد ابو عمار وقد سبق ذلك في عام 2018 اثناء مشاركته في فعاليات الجمعة الرابعة من مسيرة العودة الكبرى ( جمعة الشهداء والأسرى ) على حدود قطاع غزة حين خاطب الجماهير قائلا ( لو كان الشهيد ياسر عرفات أبو عمار موجود اليوم في مسيرة العودة لكان في واحدة من اثنتين إما معنا هنا أو يقود غرفة العمليات العسكرية ) كما قال في تصريحات صحفية اخرى له ( نحن نسير على نهج الشهيد ياسر عرفات بموازنة الكفة ومقاومة الاحتلال )
الحقيقة ان هنالك عدد من كبار القادة في حركة حماس تحدثوا بالإجلال والتقدير والاحترام عن الرئيس الراحل عرفات في مناسبات مختلفة ومنهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي كان يقول في عنفوان قوة حركة حماس بكل افتخار واعتزاز ( أنا مواطن فلسطيني من شعب يرأسه ياسر عرفات )
وكذلك فقد عبر د. موسى أبو مرزوق رئيس أول مكتب سياسي عن رايه قائلا ان ( الشهيد ياسر عرفات أبو عمار كان يتمتع بسعة صدر جعلته يحتوي الخلافات الفلسطينية الناتجة عن اعتبارات موضوعية في مراحل التحرر الوطني مثل الاختلافات الإيديولوجية والاختلافات في النظم السياسية في البلدان التي يعيش فيها الفلسطينيون كلاجئين وقد حرص طيلة حياته ألا يقطع شعرة معاوية مع أحد وكان سيداً في التكتيك السياسي ومعتداً بنفسه وبهويته وبشعبه وبإمكانياته وأن أبناء الشعب الفلسطيني يفتقدونه كثيراً في هذه الأيام لقد كان ياسر عرفات أشبه بربان السفينة الذي حافظ على توازنها وسط كل العواصف الأعاصير ولم يفقد الأمل يوما وظل يحلم بالقدس وتحريرها وفلسطين واحتضانها وقد دعم كل الهبات والانتفاضات والمواجهات الفلسطينية مع الاحتلال سرا وعلانية )
وعلى نفس الخطى جاءت كلمات الأستاذ خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس والتي تحمل الكثير من نبض الوفاء لتاريخ عرفات وسيرته النضالية حيث قال ( اتفقت معه أو اختلفت فالشهيد ياسر عرفات هو قائد استثنائي في تاريخنا الفلسطيني المعاصر )
ولا يفوتنا كذلك التذكير بما قاله وقدمه القيادي البارز في الحركة المستشار السياسيّ السابق لرئيس حكومة حماس في غزّة إسماعيل هنيّة الدكتور ( أحمد يوسف ) الذي الف كتاب خاص عن الرئيس الراحل عرفات باسم ( ياسر عرفات ذاكرة لا تغيب ) كما شارك في العديد من اللقاءات والندوات وورش العمل متحدثا عن ياسر عرفات ( كزعيم وفدائيٌّ كان مستعد دائما للعمل الثوري والكفاحي وهو يضع القضية بيد الشعب وقد ظل الأقرب من بين القادة الفلسطينيين الى الشعب ونبضه وحياته ويقود المواجهة المسلحة مع العدو جسارة واقدام )
واسمحوا ان نزيدكم من الشعر بيت بذكر ما قاله الشيخ ( نافز عزام ) القيادي الكبير في حركة الجهاد الإسلامي بانه ( لا يجوز أن يُنظر إلى الرئيس الراحل ياسر عرفات على أنه زعيم لفتح بل يجب أن يتم تقييمه باعتباره واحداً من أهم زعماء حركات التحرر في القرن العشرين ومهما كانت شدة الانتقادات التي وجهت إليه ومهما كان حجم الجدل الذي أحدثه عشية التوقيع على اتفاق أوسلو فالإطار العام أن أبو عمار يبقى زعيماً تاريخياً وواحداً من أهم القادة الذين حملوا اسم فلسطين إلى جميع أنحاء العالم )
وفي خطوة إيجابية لافتة لاقت استحسان كبير قامت بها قيادة حركة حماس في عام 2015 ومن أجل محاولة إنهاء الانقسام سلمت منزل الرئيس الراحل ياسر عرفات بغزة إلى قياديين في منظمة التحرير الفلسطينية عشية الذكرى السنوية الحادية عشرة لوفاته والدي ظل في عهدتها محروسا بما فيه بعدما سيطرتها عام 2007 على القطاع كما قامت أجهزة الأمن التابعة للحركة في غزة بترميم مروحية الشهيد أبو عمار ووضعتها في ( مقر أنصار الأمني ) لتكون جزءا من العروض العسكري في احتفالات تخريج كوادرها تذكر بالشهيد البطل
قبل تأسيس السلطة الوطنية حاول الرئيس الشهيد المؤسس ابو عمار أن يصل الى اتفاق مع حركة حماس لدخولها في منظمة التحرير كشريك رئيسي لكن الحركة في حينها وضعت شروطا تعجيزية لم يتم الموافقة عليها كما رفضت أيضا ان تكون جزءا من ( القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة الكبرى ) في الداخل وقد امتنعت حماس عن الشراكة مع أبو عمار في حياته لكنها قبلتها مع عباس بعد وفاته دون ان تقدم أي تفسيرات ونحن نحترم قرارها بعيدا عن أي اتهامات وطنية او سواها
يعلم الجميع انه قبل انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة علي يد الرئيس أبو عمار وانشاء حركة فتح كان العالم يتعامل مع الشعب الفلسطيني كجموع لاجئين تتسول على أبواب وكالة غوث اللاجئين وكان المسيسون يهدرون وقتهم وجهدهم في نشاطات الأحزاب والحركات الدينية والقومية والأممية ويبحثون عن حل لمشكلة فلسطين من خلال لمراهنات على الأنظمة العربية والغربية والاشتراكية وضمن عوالم ليس لها علاقة لا بفلسطين ولا بالمقاومة المسلحة الرئيس أبو عمار وحركة فتح أعادا توجيه البوصلة وصححا مسارها بالرغم من رفض وتشكيك كل القوى انذاك استطاع أبو عمار وثلة من شرفاء حركة فتح جعل فلسطين الرقم الصعب وتثبيت الوجود السياسي للقضية الفلسطينية وحقوق شعبها على مستوى العالم
قد يكون هنالك ثمّة خلاف على بعض مواقف أبو عمّار السّياسية بصفته قائد الثّورة الفلسطينيّة أو على بعض قراراته الوطنيّة ولكن ليس ثمّة خلاف اطلاقا على زعامته وعظمته ومسيرته الثّوريّة الكفاحية في قيادة حركة فتح ومنظمة التّحرير الفلسطينيّة والثّورة الفلسطينيّة والكفاح الوطنيّ والشّعب الفلسطينيّ في كلّ أماكن وجوده
الوفاء الحقيقي لأرث الشهيد القائد أبو عمار الذي قاد مسيرة الكفاح الوطنيّ الفلسطينيّ على مدى يزيد عن أربعة عقود كرس فيها معظم حياته لقيادة النّضال الوطنيّ الفلسطينيّ والمطالبة بحقّ الشّعب الفلسطينيّ في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على تراب وطنه وعاصمتها القدس الشّريف يكون فقط بالتمسك بالخيار الذي قضى من اجله شهيدا في مواجهة المؤامرات والتحديات التي تواجه القضية الفلسطينية محليا واقليميا ودوليا
نحن هنا في سردنا للاقوال والحوادث لا نبغي تحقيق دعاية واو تسويق بضاعة لحركة حماس وهي ( طبعا لا تحتاجها منا ( وكل ما نريد توضيحه ان أي اساءة او تطاول على الرئيس الرمز ابو عمار من جهة ستلقى استنكار ورفض في مختلف بقاع الارض لما له من اعتبار كبير ومكانة عالية وبنفس الوقت فان أي اشادة وتقدير به ستجد الترحيب والقبول والثناء من قبل انصاره ومحبيه وهذه طبيعة البشر وسنة الحياة فكم كان مثلا جميلا وعقلانيا وواعيا الدكتور السنوار وهو يحيى اهل يافا وحيفا واالرملة وكل الداخل الفلسطيني وكذلك ابناء الضفة الغربية على وقوفهم الى جانب القدس والاقصى وغزة وايضا كم كانت رائعة وفي محلها مواقف السيدين خالد مشعل رئيس حركة حماس في الخارج واسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي عندما حييا وشكرا وثمنا مواقف القيادة الهاشمية ووثورة الشعب الاردني بكل أطيافه وقبائله لنصرة القدس وغزة
اليوم وفي ظل الحصار المفروض منذ 15 عام على حماس وغزة معا وانغلاق معظم ابواب الدول العربية والغربية في وجه عناصرها وقادتها اضافة الى ما تجره تبعات القرار الامريكي باعتبارها منظمة ارهابية ناهيك عن الخلافات مع السلطة والانقسام والترقب الاسرائيلي لأي لحظة انتقام مفاجئة فان الحركة احوج ما تكون بعد هذا الانتصار العظيم الى توسيع دائرة التواصل فلسطينيا وعربيا وعالميا وبناء شبكات علاقات شعبية ورسمية مع مختلف الاطراف والبعد عن اعلام الهجوم والاتهام واثارة الخصوم والاعداء بالتصريحات الارتجالية المستفزة والشتائم المرفوضة
نعلم جميعا ان الكلمة الطيبة والموقف المشرف مهما كانا بسيطين فان لهما تأثير سحري فاعل وكبير ونحن اليوم ومع هذا الصمود البطولي والنصر الكبير بحاجة الى تمتين عرى الاخوة والصداقة والتعاون ورأب الصدع وتضييق شقة التنافر ووأد الخلافات والمشاحنات ومسح الذكرة لفتحاوية والفلسطينية والعربية من بعض صور الممارسات القاسية و البشعة التي قام بها بعض من عناصر حركة حماس بعد عام 2007 وسيطرتهم على قطاع غزة وما كان من انتهاك لحرمة المنازل والاستدعاءات والاعتقالات المستمرة لقيادات وكوادر حركة فتح وضرب لنساء اللواتي خرجن لإحياء ذكرى عرفات ( هنالك فيديو صادم بهذا الخصوص ) ناهيك عن اقتحام مباني جامعة القدس المفتوحة شمال قطاع غزة ونادي شباب خان يونس ومداهمة منازل المواطنين في حي الشيخ رضوان واجبارهم على ازالة ملصقات ورايات فتح و صور الرئيس ابو عمار عن الجدران والاسطح ومنع حماس إحياء الذكرى الـ 15 لرحيل الرئيس وكذلك في عام 2019 منعت إقامة احتفالية بذكرى انطلاق حركة فتح في حين سمحت لأنصار دحلان بإقامة احتفالية بالذكرى نفسها في ساحة الجندي المجهول مع تأكيدنا بان جميع هذه الافعال كانت تصب في خدمة الاحتلال الذي يريد تمزيق وضرب الوحدة الوطنية لهذا نريد اليوم معا ان نتجاوزها وبكل ما علق في النفوس من كراهية وغضب بروح اخوية صادقة ومصالحة وطنية ناجزة تكيد الاعداء المتربصين بنا الدوائر
بعد كل هذا الالتفاف الجماهيري الفلسطيني والعربي والدولي حول المقاومة الفلسطينية والاحتفال ببطولاتها المبهورة وحت لا يسرق النصر بمضمونه ومعناه نريد ( نحن كشعوب ) من حركة حماس ان تبقى مستمرة في نهج الخطاب الاعلامي العقلاني والناجح نحو عرب الداخل والضفة الغربية وابناء العروبة والاسلام واحرار العالم في كل مكان وان تخرج الحركة نفسها من دائرة الاتهام المفتوح التي يحلوا للبعض ترديده صبح مساء بانها ( تعمل على حرف البوصلة الوطنية والدخول في المهاترات والمناكفات والنزوع الى الصدام والتشدد والتشكيك والمغالاة ورفض الاخر وان هنالك حاله من الارتباك والتخبط، التي تعتري أطرها وهي تعيد الاجماع الوطني الى الخلف بضربها كل المساعي الهادفة لوحدة الشعب الفلسطيني بعرض الحائط بدلا من السير باتجاه مستقبل واعد عنوانه التكاتف من اجل الوحدة والحرية والاستقلال
ان حركة حماس وهي تذكرنا وتستحضر معنا نضال وكفاح ( الختيار ) الثوري الشهيد المشهود له بمساندة ودعم فصائل المقاومة والانتفاضة وهو يهندس كوفيته على ( شكل خارطة فلسطين التّاريخيّة ) ويضع مسدسه على جنبه بكبرياء كان ( أبو عمار يرى أن هذا المسدس هو جزء لا يتجزأ من نفسه وأن فيه ما يحمل معنى استمرار الثورة حتى النصر )
رحمك الله يا أبا عمار الثائر الذي صنع هوية شعب فلسطين الذي فقد بوصلته وتاهت به الدروب وضاعت معالم طريقه بعدما تكالبت عليه العربان المتخاذلون والخونة المجرمون ولاة اليهود وخدمهم بعدما غابت تجليات حكمتك وشجاعتك عن فلسطين وقضيتها وشعبها وكم هم اليوم يفتقدونك وبحاجة لوجودك ليشاهدوا في بريق عينيك الفرح الغامر بـ ( انتصار المقاومة ) ويجدوا في قلبك الشماتة بهزيمة بنو صهيون المذلة
ختاما سنبقى بحول الله تعالى السند والرديف والداعم لغزة العزة وهي تقاتل شامخة بمقاومتها الباسلة التي لن تتنازل ابدا عن ثوابت الشعب الفلسطيني ولن تساوم مطلقا على حقوقه مقابل أي مساعدات أو ضمانات مغمسة بالذل والعار واننا مع المقاومة في دفاعها عن القدس وحي الشيح جراح والاقصى وعدم تخليها عن سلاحها وستعمل على تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها العيش الكريم الحر حتى استكمال مشروع التحرير وكنس الاحتلال ِ
mahdimubarak@gmail.com